الاعتماد على المهارات في استغلال الثغرات

المحامون.. وجهات نظر لا تقلب الباطل حقاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالروب الأسود، يعتلون منصة الدفاع، يقفون أمام أعضاء الهيئة القضائية، على يسارهم أعضاء النيابة العامة، وإلى يمينهم يقف المتهمون من وراء حاجز زجاجي، يتابعون ما يجري في القاعة الكبيرة، ومن خلفهم جمهور مشكّل من ذوي المتهمين، ومَنْ يحضر معهم من أعضاء السلك الدبلوماسي، ومن ممثلي وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، من حقوقيين وأعضاء حقوق الإنسان ورجال الأمن، الذين ينتشرون في صورة تقليدية على مداخل المحكمة ومخارجها، والمشهد يتكرر، كلما عقدت محكمة أمن الدولة في المحكمة الاتحادية العليا، جلساتها للنظر في قضايا تخص أمن الدولة، التي بدأت بصورة واضحة وكبيرة، في 4 مارس عام 2013 في محاكمة التنظيم السري غير المشروع، والتي انتهت بحله والحكم على أعضائه في الثاني من يوليو من العام نفسه.

 تحقيقات

 تنتهي النيابة العامة من تحقيقاتها، وتحيل المتهمين وفق التهم إلى المحكمة المختصة، وبعد توجيه التهم إلى المتهمين، بحضور المحامين، يبدأ السجال بين طرف يمثل المجتمع، يقدم من أذنب للقضاء لينال الجزاء العادل، وعلى النقيض، الطرف الآخر الذي يحاول إثبات براءة موكله، يستغل الثغرات هنا وهناك.. يدفع ببطلان الإجراءات أحياناً، ويشكك في الأدلة في أحيان أخرى.. يفند وينفي، يعترض ويعارض، في نهاية الأمر، هي ساحة لاستخدام ما لديه من حيل وأدوات ليكسب قضيته وتبرئة موكله.

 تآمر

 قضايا بعينها، قد يرى المرء أن الدفاع فيها عن متهمين، تآمروا على الوطن، وكأنه نوع من التآمر أيضاً، وقد يظن البعض أنهم ربما فقدوا شعبيتهم بين المواطنين، بدفاعهم عن متهمين في مثل هذه القضايا، أكثر من ذلك، يتساءلون عن شعور المحامي حين يخسر ويحكم موكله بعقوبة قاسية، تتناسب وحجم الجرم الذي اقترفه.. هذه التساؤلات وغيرها، طرحتها في جلسة استراحة ضمت عدداً من المحاميين الذين يترددون على محكمة أمن الدولة، ولديهم موكلون عديدون في قضايا أمن الدولة، بعضها فصلت المحكمة فيها، والبعض الآخر لا يزال قيد المحاكمة، فماذا أجابوا؟

 واجب

 المحامي سعيد الزحمي، قال: بغض النظر عما يراه الناس في الدفاع عن متهم في قضية أمن الدولة، فإن ما نقوم به واجب، إن لم يقبل المحامي، فإن المحكمة تأمر بانتداب محامٍ للدفاع عن المتهم، كحق يكفله القانون، بغض النظر عما اقترفه وما ارتكبه من جناية، مشيراً إلى أنه كثيراً ما يبقى متأثراً لأيام، في قضايا يدان فيها المتهم، وقد يخالجه إحساس ببراءة المتهم، لكن لخطأ ما في الإجراءات مثلاً أو غيرها، لا يتمكن المحامي من إثبات براءته فيحكم.

 مفارقات

 ويكمل المحامي سعيد الزحمي ضاحكاً: هناك بعض القضايا التي أفرح فيها إذا أدين المتهم، إن كنت مقتنعاً بأنه مذنب، فالمحامي في النهاية، شأنه شأن أي إنسان، هو مثل الطبيب يلتزم بالواجب الأخلاقي والأدبي في مهنته.

 وقال الزحمي: لو رفضت أتعاباً بـ 100 ألف درهم في إحدى القضايا، قد أترافع منتدباً في القضية نفسها مقابل 2000 درهم، وتلك من مفارقات المهنة.

 براءة

المحامي حمدان رشود الزيودي، أضاف: لا أتمنى أن يحكم موكلي في كل الأحوال، وفي قضايا أمن الدولة، يحدوني الأمل وأتمنى في قرارة نفسي البراءة أو عقوبة مخففة للمتهمين غير الأساسيين، الذين ينقادون وراء المتهمين الضالعين بدوافع مختلفة، قد تكون ارتباطات عائلية أو صداقة وجيرة أو صغر سن بعضهم، خاصة أنه قد أصبح التغرير بالصغار سهلاً، ولديّ موكل لم أكن أتوقع يوماً أن يتورط في مثل هذه القضايا وينجرف وراء هذا الفكر.

 إكراه

 وأشار حمدان رشود، إلى أن هناك قضايا بما فيها من معلومات تثير المحامي وتحمّسه عند المرافعة، ويبذل فيها جهداً مضاعفاً، فيفرح إن أتى بالبراءة لموكله، ويتألم عند الإدانة. ويذكر أن اعتراف الموكل اعترافات تفصيلية، تصعب من مهمة القاضي. سألته عما يردده البعض، أنه ربما قد تعرض للإكراه، وأن الاعترافات انتزعت منه، ترى هل هم محقون في زعمهم؟ يجيب المحامي حمدان، إن مفهوم الإكراه ليس في الضرب أو تعليق المتهم، فالمكيف البارد على سبيل المثال، أو الإضاءة الشديدة إكراه، لكن عند الاعتراف، لا يوجد عنف يمارس بحق المتهم.

 مشاعر

 وفي شق متصل، يتمنى المحامي سعيد الزحمي، لو لم يصارحه موكله أحياناً بكل شيء، خشية تأثره، خاصة في قضايا أمن الدولة، فربما غلبت مشاعره الوطنية مشاعره بصفته محامياً، وفي هذا، يذكر استعداده لقضية جنائية قتل فيها الزوج زوجته التي تربطه بأسرتها علاقة، ويضيف: شعرت من الأوراق أن الزوج بريء، وتحمست للدفاع عنه، لكنه أسر لي أنه خطط لجريمة القتل ودبرها وحرّض غيره على ارتكابها، فاعتذرت، على الرغم مما عرضه من أتعاب، وكنت أتمنى لو لم يخبرني بذلك.

 دراسة

 أما المحامي محمد الزعابي، فقال: أدرس القضية وأرى احتمال الإدانة من عدمها، عن طريق هذه الدراسة، يتكون لدي موقف معين من خلال التحقيقات وما قاله المتهم، مع إيماني الشديد بأنه من حق أي شخص الدفاع عن نفسه، وأتمنى البراءة لأي متهم في كل الأحوال، ولا أنسى أحدهم دافعت عنه في قضية طبع بطاقة بحسن نية لشخص أساء استخدامها، وحكم بالحبس 3 سنوات.

 النهاية

 بدوره، قال المحامي ياسر النقبي: أنتمي لأسرة تضم 3 قانونيين، وأستفيد من شقيقي، وأؤمن بالعدالة، وأنا فخور بنزاهة القضاء في بلادنا، وعند الحكم على موكلي، لا شك أني أتأثر مثل غيري، لكن أقدم ما لدي وأبذل جهداً صادقاً، والنيابة تقدم ما لديها، ونحن كذلك في دفاعنا ومرافعتنا، والكلمة الفصل للمحكمة.

آراء

المحاماة حق وواجب ومهنة ثرية

 في رد المحامين حول إذا ما كانت المحاماة مهنة تجعل ممتهنها ثرياً، قال المحامي سعيد الزحمي: نعم، المهنة تجعل المحامي ثرياً، وهناك محامون من أثرى الأثرياء.

وتابع المحامي حمدان الزيودي، أن قضايا أمن الدولة، ولأنها تبدأ وتنتهي في نفس الدرجة، فهي تحتاج إلى جهد كبير، ولدينا في المكتب تسعيرة معينة لهذه القضايا، التي أفضلها لأنها جديدة على المجتمع، ومنوعة وتكسبني خبرات، كما أنها تمثل تحدياً لي.

 

ورداً على تساؤل، هل الدفاع عن متهمين في قضايا أمن الدولة يؤثر في شعبية المحامي عند الرأي العام؟ أجاب المحامي ياسر النقبي: قطعاً لا، هو واجب يؤديه، وحق كفله القانون للمتهم، مهما كان جرمه، بصورة أو بأخرى، يجد المحامي نفسه يدافع عن المتهم، ولا فرق هنا في الدفاع بين من يوكله المتهم أو تنتدبه المحكمة، الأمانة هي التي تحكم العمل، وما فوز أخي جاسم في انتخابات المجلس الوطني الاتحادي مؤخراً، إلا دليلاً على ذلك، فالناس لم يتأثروا، كونه محامياً في قضايا أمن الدولة.

Email