يعود له الفضل في إنشاء خور دبي وميناء راشد والميناء والمنطقة الحرة في جبل علي

الشيخ راشد.. مؤسس النهضة اللوجستية في دبي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

 استخدم المغفور له بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، التخطيط المستقبلي بكافة أشكاله، في بناء نهضته الشاملة وسيرته الخيرة، سواء كان ذلك بالنسبة لرقي وتطوير إمارة دبي، أو في ما يتعلق ويختص بالمسيرة الاتحادية، التي يشكل أحد أبرز أقطابها.

واستخدم راشد، التخطيط طويل المدى وقصير المدى، فكان إذا ارتأى أن الحاجة فقط تدعو إلى خطة قصيرة، شرع في تنفيذها تنفيذاً يتلاءم والحاجة إليها، أما إذا أراد أن يضع خطة طويلة الأجل، فإن تخطيطه يكون مثاراً للإعجاب والدهشة، فقد كان، رحمه الله، يخطط للآجال الطويلة بكل دقة وعمق وتركيز، والشواهد على ذلك عديدة، والحديث عنها تنطق به المنجزات العملاقة التي تحققت على أرضنا.

 ومن خلال هذه الرؤية السديدة، أدرك الشيخ راشد، رحمه الله، أنه يتوفر في مدينة دبي الإمكانات والاستعداد الطبيعي لما يجعلها مدينة رائدة. ولتحقيق نظرته الثاقبة، كان عليه إنجاز الكثير من المشاريع الطموحة. في عهد الشيخ راشد، كانت دبي قد بدأت ترسيخ مشاريع البنية التحتية، واعتماد الخطط المحكمة للتطوير، لتواكب التزايد المتواصل في عدد السكان.

وكان من الجلي، أنه يجب إيجاد خدمات أساسية وتطوير الخدمات المتوفرة، لتصل إلى مستوى الخدمات الجديدة، وبكل الحالات، لم يركن الشيخ راشد إلى مجاراة مقتضيات الواقع، بل كان دائماً يتطلع إلى الأمام، ويعمل من أجل المستقبل.

ولقد انطلق الشيخ راشد، بإقامة مشاريع ذات قدرة على الاستيعاب بعيدة المدى، وشكل مجالس تشرف عليها، وقد استغرقت هذه المشاريع وقتاً، وتطلبت جهوداً جبارة، لتنطلق دبي كمدينة حديثة مدهشة، معتمدة على التجارة كحرفة تقليدية للبلاد.

 تجهيز الخور

 بدأت في عام 1959، عملية تجهيز الخور للملاحة، عن طريق تجريفه وسحب الطمي منه، وذلك لأنه في الخمسينيات، تراكم الطمي في مياه الخور بشكل متسارع، ما أدى إلى انخفاض كبير في حركة الملاحة فيه، وكان على السفن انتظار المد حتى تتمكن من دخول الخور، وبقيت بعض قوارب الصيد تعبر الخور بين فترة وأخرى. وبعد أن تم الوصول إلى العمق المطلوب، تم رصف جانبي الخور بالصخور والتربة الرسوبية، ليرتفع مستوى جانبي الخور عن مستوى المياه.

وسمح للتجار في ما بعد باستثمار الأراضي الجديدة على جانبي الخور، للاستفادة من عوائد الاستثمار في تسديد تكاليف المشروع، وبحلول نهاية عام 1960، تم إنجاز مشروع خور دبي، ولقد بدأت بعد ذلك خطوط الملاحة تتوافد إلى دبي، معتمدة خور دبي كميناء رئيس، وتسببت هذه الحركة المتزايدة في الخور، في زيادة الطلب على الخدمات. واستجابة للحاجة الملّحة، تم البدء مباشرة بالعمل على إيجاد أرصفة بحرية ومستودعات وتوسيع الخدمات الخاصة بتحميل وتفريغ السفن، كما تم توسيع وتطوير مرافق الخدمات الأخرى بالميناء.

ميناء راشد

 في عام 1967، تم البدء بإنشاء ميناء في المياه العميقة، بطاقة استيعاب تصل إلى أربعة مراسٍ ، كما هو مخطط له أصلاً، وقد تقرر بعد ذلك، أن يتضاعف عدد المراسي ليصل إلى خمسة عشر مرسى عند إنجاز المشروع، وتم توسيعه إلى خمسة وثلاثين مرسى، بعد ذلك بفترة، وتم افتتاح هذا الميناء «ميناء راشد»، رسمياً، في الخامس من أكتوبر 1972، ليلبي متطلبات أضخم السفن حجماً.

 ميناء جبل علي

 وبعد فترة، تم إنشاء ميناء جبل علي، الذي يقع جنوبي المدينة، والذي يعد، بما يشتمل عليه من سبعة وستين مرسى، أضخم ميناء من صنع الإنسان في العالم. ولقد تمت إقامة المنطقة الحرة في جبل علي، بمحاذاة الخور في عام 1985.

ولقد هيأت المنطقة الحرة في جبل علي، المناخ المناسب لجميع الشركات المتعددة الجنسية، لإقامة مراكز إقليمية في منطقة الخليج، ولها مستودعاتها التي تساعد على إعادة تصدير المواد للخارج، وعلى توزيع منتجاتها عبر الخليج العربي. ومع مرور السنين، اتسع حجم نشاط هذه الشركات، ليتحول من توزيع المنتجات تجارياً، إلى التصنيع والتجارة واسعة النطاق والخدمات. وبذلك اتسع حجم التسويق وعدد الشركات متعددة الجنسيات في جبل علي، ليغطي أسواق الشرق الأوسط والقارة الآسيوية وأفريقيا والاتحاد السوفييتي سابقاً وأوروبا الشرقية.

وأصبح النشاط التجاري للعديد من هذه الشركات، يغطي سائر بلدان العالم، ومع نهاية عام 1998، بلغ عدد الشركات الكبرى في المنطقة الحرة في جبل علي، ألفاً وخمسمئة شركة تنتمي لأكثر من ثمانين دولة، ولا يزال عدد هذه الشركات يتزايد يومياً.

 العقل المدبر

 إن الشيخ راشد، رحمه الله، والذي يعتبر العقل المدبر وراء الكثير من المشاريع الجبارة، التي نقلت دبي نقلة نوعية بارزة، كان راسخ الإيمان، ومخلصاً في توجهاته، لتحقيق ما يعتبره الكثيرون ضرباً من المستحيل.

وفي مدة لا تتجاوز الربع قرن، انتقلت دبي نقلة نوعية كبيرة، إذ أصبحت تبرز في سماء المدينة المباني الحديثة، والتي تلقي بظلالها على المباني القديمة. وتم تحويل الحصن القديم إلى متحف، تبرز قبالته على الطرف الثاني من الخور، الفنادق الضخمة والمباني الفارهة. ولقد كان من المدهش، أن تم حفر نفق تحت مياه الخور، ليصل بين طرفي دبي.

 ولقد أنشئ أيضاً جسر آخر عند نهاية الخور، وتمت الاستفادة من طمي الخور في استصلاح وتسوية الأراضي على امتداد الكورنيش من ناحية الواجهة البحرية لديرة. وفي الطرف الآخر للخور (بر دبي)، تم توسيع الميناء، ليشتمل على 35 مرسى، وأحواض جافة لا تضاهيها أي منشآت عالمية أخرى.

 التحليل والمقارنة

 من بين خصاله وصفاته العديدة، القدرة على التحليل والمقارنة، فراشد بن سعيد آل مكتوم، كان رجلاً وحاكماً، من ذلك النوع الذي يعتمد اعتماداً كبيراً على التحليل والمقارنة. وقد كان ذلك الأسلوب، واحداً من أساليبه التي اعتمد عليها في ممارسة مهامه ومسؤولياته المنوطة به، كرجل يعتلي سدة الحكم وقمة المسؤولية في هذه البلاد.

 ومن هذا المنطلق، فإن قضية التطوير والرقي وشموليتها بالنسبة لدبي، والإمارات بصفة عامة، والوصول بالبلاد إلى مقدم الركب الحضاري، ليس فقط على المستوى الخليجي، وإنما على المستويين العربي والعالمي، كانت واحدة من أهم أهدافه، وبالتالي، فقد اتخذ من التحليل والمقارنة لكافة ما يصادفه خلال تلك العملية التنموية، أسلوباً مميزاً في حياته.

 اختيار الوقت المناسب

 كان راشد، رحمه الله، يملك القدرة على اختيار الوقت المناسب لتنفيذ عمل ما، فلم ينفذ أي خطة من خطط التنمية بكافة أشكالها، إلا واختار لها الوقت المناسب، لذلك، حينما كان راشد يريد أن يعلن عن مشاريع اقتصادية أو عمرانية أو اجتماعية أو ثقافية أو غيرها.

 متابعة

 القائد الناجح، هو الذي يملك القدرة على متابعة ما يصدره من أوامر وتعليمات، والمتابعة هنا، نقصد بها المتابعة الميدانية التي تُعد وسيلة من وسائل الضبط والربط. فلا يكفي لأي إنسان مسؤول أن يصدر تعليمات وأوامر، دون التأكد بأنها تنفذ تنفيذاً مناسباً ومعقولاً. وقد كان المغفور له راشد بن سعيد آل مكتوم، قائداً فذاً.. فقد امتلك القدرة على متابعة قراراته متابعة مثالية.

Email