محمد بن راشد يبث شعرية الحماس في قصيدة نبطية جديدة

«أسود الجزيرة» بُنود العزم في جبهات الظفر

ت + ت - الحجم الطبيعي

القصيدة خزان المرويات والشيم، تحفر دائماً عميقاً في وجدان الشعوب وفي نفوس وذاكرة الناس، مؤرخة لمآثر الأمم، لذلك ظل الشعر دائماً قمر الآداب والفنون يضيء أحلام وتطلعات ومفاخر الناس، صوتاً وحنجرة للقيم الإنسانية الثابتة، التي لا يمكن طمسها، وللخصال والمحامد الأصيلة ولشمس الحق التي لا يمكن أن تُحجب، وفي قصيدة نبطية جديدة، لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، حملت عنوان «أسودْ الجزيرة»، نقش سموه بأحرف مضيئة عميقاً في زاد ذاكرة المآثر، فروى بأبياته رونق القصيدة وشعرية الحماس، فبدت خصبة بهية المطلع والسمت، كما روت دماء الشهداء الطاهرة ثرى الأرض في جبهة الواجب والحق، رافعاً بنود العزم والتضحيات والشهامة والكرم، خفاقة الرايات في جبهات الظفر.

مآثر الشهداء

«أسودْ الجزيرة»، تضمنت عشرين بيتاً شعرياً، صاغت بقوة جزالة الشعر وجدارته كفاعل قوي وحافظ لأمجاد الشعوب والأمم، ميسمها الفخر، والإقدام، ومآثر الشهداء، الذين رووا بدمائهم معركة نصرة الوطن والأهل في الخط المشترك الواحد على حدود الديار، زاد أبطاله العزم، لا تزيدهم الأخطار المحدقة التي تتربص بهم الدوائر، إلا قوة وبسالة وعناداً في دحرها، يزفون الأرواح الغالية، قريرة العين في ليل الوغى، على خط النار يمدون العون للأهل وللإخوة، ويدافعون عن بعض من جارت عليهم يد الظلم حتى لا تُهدم صوامع وبيع:

 

زادِنــــــــا كثِــــــــرْ الخِطَــــــــرْ عَـــــــزمْ وعِنـــــــادْ

                                     وكِلّمــــــــــا يزيــــــــــدْ الخطــــــــــرْ نَرويـــــــــهْ دَمْ

نرفَــــــــــــعْ الرَّايــــــــــــاتْ ونمـــــــــــدْ الأيـــــــــــادْ

                                    لأهلنـــــــــــا أهــــــــــلْ الشَّــــــــــهامِهْ والكَــــــــــرَمْ

البيت الواحد

تنحاز الكلمات، كما «الجار للجار» و«الدار للدار» للبيت الواحد، والسقف الواحد، والتاريخ الواحد، حيث المعركة مُشتركة، والأخطار واحدة في حرب تتهدد الإخوة وأبناء العمومة والدم، تسوق المودة إلى أهلها، وتُبادل المحبة بالمحبة، أصدق تعبير لها، الجنود البواسل، يحملون أرواحهم على أكفهم، يُجرعون الأعادي علقم الصفعات، ذوداً عن الدار والجار على تخوم الجزيرة:

 

للسِّــــــــــــــعوديِّهْ موَدَتنـــــــــــــــــا وكَـــــــــــــــــادْ

                                  ولليِمَـــــــــنْ وأهـــــــــلْ اليمـــــــــنْ أولادْ عـــــــــمْ

جيشـــــــــــنا الباســـــــــــلْ جنــــــــــودْ الاتِّحــــــــــادْ

                                   نِعــــــــمْ بجنـــــــودهْ سِقـــــــوا العـــــــادينْ سَـــــــمْ

تكثيف المعاني

ويؤكد نفس المعنى في أبيات أخرى من القصيدة، في ترسيخ لقوة الأواصر، لتأكيد الفكرة في ذهن المتلقي، من خلال مترادفات تكررت وألفاظ أعادها في تنغيم مقصود يعطي قوة للمعنى كنوع من التشكيل للصور والأخيلة، وتكثيفها لتؤدي المعنى الرديف في كلمات الشاعر عند قارئ القصيدة:

 

نحــــنْ وإنتـــــــوا شعــــبْ واحـــــــدْ بالوكــــــادْ

                              يجتمــــــــــــــعْ فَأنســـــــــــــابنا دَمْ ورحَـــــــــــــمْ

واليمـــــــــنْ منَّـــــــــا وفالأيـــــــــامْ الشِّـــــــــدادْ

                             يــــــــــومْ نادانــــــــــا فلــــــــــهْ قلنـــــــــا نَعَـــــــــمْ

فرسان الاتحاد

يناغم بين الوصف والمُتقابلات، يستحضر على خط النار، حياة الجنود، حيث يقف فرسان الاتحاد البواسل، على الجمر واللظى، رداً للمظالم وحفظاً للعهد، وقد قبضوا على الزناد، في تكاتف وثبات، نذروا تضحياتهم للأرض والعلم، يأبون الضيم في ساحة الجهاد، لا يخشون سوى التولي يوم الزحف:

عنـــــــدْ خـــــــطْ النَّـــــــارْ قـــــــابضْ ع الزِّنــــــادْ

                           ينصــــــــرْ اللِّــــــــي حقَّــــــــهْ بظلـــــــمْ إنهضَـــــــمْ

حـــــــــافظينْ العهـــــــــدْ وإنْ حــــــــقْ الجهــــــــادْ

                           بالـــــــــــــــدِّما يفــــــــــــــدونها أرضْ وعَلَــــــــــــــمْ

مناقب الرجال

يعدد المناقب ويبث الحماس، ويصف أصحاب التضحيات الكبيرة في هذه المعركة، وأسودها الأشاوس، وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، من إليه يرد الأمر في الحكم، رجل على ظهر قلبه يجتمعون، وتحت إمرته يتحركون، وهو نعم القائد في رأيه ومشورته وعزمه وهمته وإقدامه:

 

يـــــا أســــــــودٍ للجزيـــــــــــرهْ باعتمـــــــــــادْ

                                      عنـــــــــدْ بوخالـــــــــدْ لكــــــــم قَــــــــدرْ وأسِــــــــمْ

ننعـــــــمْ بـــــــهْ قايـــــــدْ علـــــــىَ جيـــــــشْ وبلادْ

                                      لـــــــــهْ يـــــــــردِّ الأمـــــــــرْ ويـــــــــردِّ الحكِــــــــمْ

على درب الرشاد يسير، بدر تم، به تقتدي البدور، شبيه زايد في الخلق وحفظ العهد والوداد، وشبيه نفسه أيضاً في جميل المناقب من صبر وعزم وهمة وشجاعة:

 

ساعـــــــــةْ يـــــــــدبِّرْ علـــــــــىَ دربْ الرِّشـــــــــادْ

                                   وســــــــاعةْ إيــــــــأمِّرْ فلــــــــهْ بنقــــــــولْ تَــــــــمْ

فيــــــــهْ مــــــــنْ زايــدْ مراعــــــــاةْ الــــــــودادْ

                                وفيـــــهْ مـــــنْ ذاتـــــهْ صفـــــاتْ أهـــــلْ الهِمَـــــمْ

 

دون أن ينسى الإخوة في ملحمة البطولة، حماة الحرمين؛ ومن بهم طاب الذكر عطراً على الألسن:

 

وأذكـــــرْ إبْطيـْب الـــــذِّكرْ مـــــنْ بـــــهْ يشـــــادْ

                                      كــــــلْ فضــــــلْ ويــــــذكرْ أســــــمهْ كــــــلْ فــــــمْ

ذاكْ بـــــنْ سلمـــــــانْ بـــــــهْ تـــــــمْ المـــــــرادْ

                                     المعــــــــــادي إنْسِمِــــــــــعْ بــــــــــهْ ينهــــــــــزمْ

يا محمــــــــــــدْ فضـــلكمْ عـــــمْ العبـــــــــــادْ

                                    نعـــــــــمْ بآلْسعــــــــودْ حــــــــامينْ الحَــــــــرَمْ

وصف دقيق

«أسودْ الجزيرة» من خلال إشراقات متعددة في النص، قدمت بديع الصور، تميزت بدقة الوصف والصدق في الاستعارات، فشيطان الفتنة في الحرب اليمنية، ألبسته الكلمات ملمحاً كاريكاتيرياً، هذا الشيطان الذي قاد شعبه إلى بؤر الفساد، وباعه، وساق أتباعه إلى رأي غير سديد ولا حكيم، فتبعه أهل الحظ العاثر ومن كسد نصيبه من التوفيق، وجافاه أهل الشرف وأهل الكرم:

 

عـــــــنْ عـــــــدوٍّ بـــاعْ شعبـــــــهْ م الفســـــــادْ

                                     وســـــــاقْ أتباعـــــــهْ إلــــــىَ الــــــرَّايْ العَسَــــــمْ

وإتبعــــــــــوهْ أهــــــــــلْ العثيــــــــــرهْ والكســــادْ

                                  وإتركــــــوهْ أهــــــلْ الشَّــــــرفْ وأهــــــلْ الكَـــــرمْ

 

تضحيات

يركن إلى السلم في حروفه، فهي الأصل والفطرة البشرية الأصيلة والطبيعية، بينما تعد الحرب الاستثناء، تفرضها مواضعات عدة، أولها نصرة الحق وأهله ورفع الظلم، والذود عن الجار والدار، وهي حرب مُكلفة، لكنها ضرورية لإعادة الأمور إلى نصابها، كما أن لكل نصر تضحيات وثمناً غالياً:

 

مــــــــــــا نحبْ الحـــــــــــربْ وإنْحـــــــــــقْ الجلادْ

                                        وإعتــــــدىَ العــــــــــادي فيبشـــــــرْ بالنِّــــــدَمْ

كـــلْ نَصْــرْ ولـْه ثمَــــــنْ غــــــالي يِقــادْ

                                     والنَّصِـــــــرْ مـــــــا يســــــتوي مــــــنْ غيــــــرْ دَمْ

 

ختام مسك

يرش ختامها مسكاً وحكمة، تميمة عذبة، ورسالة إلى الأهل والشعب الواحد المُتلاحم، يُضمنها نفساً عميقاً مُحملاً بإحساس عظيم؛ مفاده من وضع الحق رديفهُ والإنصاف ونجدة المظلوم لم يخب ظنه أبداً، لأن النصر دائماً في صف الحق والقضية العادلة:

 

ياشَـــــعِبْنا الحـــــــرْ وأهلـــي والبلادْ

                                   دامنــــــا عَ الحـــــقْ لا مـــــا نَنهــــزمْ

 

معانٍ ومُتقابلات

جاءت في القصيدة مجموعة من المُفردات، القليلة التداول، الفصيحة والأصيلة المعنى، مثل كلمة «وكَـادْ» التي وردت في البيت الثالث من القصيدة، وتكررت في البيت الرابع عشر بصيغة «بالوكَـادْ»، وقد جاء في قاموس المعاني من معانيها ما يحيل إلى الثبات واللحمة وقوة العهد والأواصر، فالوِكَادُ والوَكائد هي حبالٌ يُشَدُّ بها السَّرج، وفي المعجم «الوسيط» أوكد السرج شده، وأوكد العهد أوثقه وأثبته وأكده، ومنها جاء التأكيد ويُوكد إيكادًا. وقد وظفها تعبيراً عن ميثاق العهد وقوة الأواصر ووثيق الصلات بين الاخوة. كما استخدم مُتقابلات، في ثنائيات في المعنى ومُتضادات من نماذجها قوله في وصف شياطين الفتنة في اليمن:

 

وإتبعـوهْ أهلْ العثيـرهْ والكســادْ

                             وإتركـوهْ أهلْ الشَّــــــرفْ وأهـلْ الكَرمْ

 

ــ وصفت القصيدة محمد بن زايد ببدر تم تقتدي به البدور

ــ استحضر على خط النار حياة فرسان الاتحاد البواسل حفظاً للعهد

ــ نقش سموه بأحرف مضيئة عميقاً في زاد ذاكرة المآثر

ــ روى رونق القصيدة فبدت خصبة بهية المطلع والسمت

ــ عشرون بيتاً صاغت بقوة جزالة الشعر وجدارته كفاعل قوي وحافظ للأمجاد

ــ أكد الأفكار في ذهن المتلقي من خلال مُترادفات أعادها في تنغيم مقصود

ــ النص قدم بديع الصور وتميز بدقة الوصف وصدق الاستعارات

Email