زايد ومعادلة النفط والدم

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الرابع والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 1393هـ، الموافق للحادي والعشرين من أكتوبر سنة 1973م، أطلق الشيخ زايد، رحمه الله، صرخته المدوية، على وقع حرب العاشر من رمضان بين العرب والكيان الصهيوني، «النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي»، معلناً، رحمه الله، أن العرب جسد واحد وأمة واحدة، لا يمكن للمصالح المادية أن تقف حائلاً دون نصرة المظلوم، فكيف إذا كان هذا المظلوم أخاك؟

إن هذا الموقف من الشيخ زايد، رحمه الله، لن يغيب عن ذاكرة التاريخ؛ وإن اللهفة والعروبة التي تجري في عروقه لا تسمح له أن يستمر في أي معاهدات مع من يمدون أعداء العرب والمسلمين بالسلاح لقتل إخوانه في العروبة والدين، بعد اغتصابهم أرضهم والسيطرة على مقدساتهم.

لم تمر هذه الحرب دون أن يضع الشيخ زايد بصمته التي كان لها كبير الأثر، بل الأثر الرئيس في قلب موازين القوى لصالح العرب، ليعلن منذ الساعة الأولى من اشتعال أوار الحرب أن المعركة ليست معركة مصر وسوريا وحدهما ولكنها معركة مصيرية للعرب قاطبة بحاضرهم ومستقبلهم.

قصب السبق

كان للشيخ زايد في تلك الحرب قدم متقدمة وراسخة، وكان سباقاً بالخير في عدة نواح؛ فمن ناحية الدعم المادي نجده، رحمه الله، لم ينتظر عودته إلى أرض الوطن عندما علم باندلاع حرب الكرامة بين العرب والكيان الصهيوني، بل بادر منذ البداية بشراء ما كان معروضاً في الأسواق من غرف عمليات متنقلة في جميع أنحاء أوروبا وأرسلها في الحال إلى مصر وسوريا مع تجهيزات كاملة من المعدات الطبية والتموينية. كما أعلن، رحمه الله، تبرعه بمئة مليون جنيه إسترليني للمعارك الدائرة على الجبهتين العربيتين، فكان أول حاكم عربي يضطلع بذلك.

منعطف خطير

كان الكيان الصهيوني في حرب العاشر من رمضان يتلقى جسراً جوياً لا ينقطع من الأسلحة والعتاد من الدول الكبرى الداعمة له في حربه الظالمة، إضافة إلى التأييد الكامل والدعاية الباطلة والتزييف للحقائق من الوسائل الإعلامية الأجنبية.

وعندما عقد اجتماع الدول العربية على مستوى وزراء النفط وتباحثوا في استخدام النفط وسيلة للضغط على الدول الغربية الداعمة للكيان الصهيوني، إذا به يعلن فوراً قطع البترول نهائياً عن الدول التي تساند الكيان الصهيوني، ولما سئل عن موقفه كان من ضمن الكلمات التي سطرها له التاريخ أن قال: «إن الثروة لا معنى لها بدون حرية أو كرامة..

وإن على الأمة العربية وهي تواجه منعطفاً خطيراً أن تختار بين البقاء والفناء.. بين أن تكون أو لا تكون.. بين أن تنكس أعلامها إلى الأبد أو أن تعيش أبية عزيزة مرفوعة أعلامها مرددة أناشيدها منتصرة». وقال عندئذ مقولته الخالدة: «إن الذين قدموا دماءهم في المعركة، معركة الشرف، قد تقدموا الصفوف كلها، وإن النفط العربي ليس بأغلى من الدم العربي».

وأضاف، بكل بلاغة ووضوح: «إننا على استعداد للعودة إلى أكل التمر مرة أخرى، فليس هناك فارق زمني كبير بين رفاهية البترول وبين أن نعود إلى أكل التمر».

صاعقة مدوية

أوقفت الإذاعات العالمية إرسالها لتعلن هذا النبأ، الذي وقع كالصاعقة المدوية في أرجاء الدول الغربية، وبالفعل كان هذا القرار بداية المعركة البترولية الاقتصادية، التي أثرت تأثيراً راسخاً في مجريات الحرب، وقلبت الطاولة على العدو الإسرائيلي وداعميه.

وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده أثناء المعركة سأله أحد الصحفيين الأجانب: ألست خائفاً من الدول الكبرى؟ لقد كنت أول من قطع النفط عنها! فرد الشيخ زايد على الفور: «إننا لا نخاف من أحد، وإذا تسلل الخوف إلى قلوبنا فإننا لن نقاتل دفاعاً عن شرفنا ونسترد حقوقنا المسلوبة، إن أغلى شيء يملكه الإنسان هي روحه، والأرواح بيد الله تعالى.. إننا إذا جلسنا لنخطط خوفاً من أن يلحقنا الخطر فسوف نترك كل شيء للعدو».

وقال أيضاً: «ماذا أفعل لو رأيت ابني أو أخي يطعن ويقتل؟ إن الجواب الطبيعي أن أقف مع ولدي وأخي لأساندهما في ملاقاة العدو».

رفع راية العرب

لقد كان لمواقف الشيخ زايد بليغ الأثر في انتصار الأمة في حرب العاشر من رمضان. لقد رفع رؤوس العرب عالياً، حتى أصبحت تلك المواقف مصدر فخر لكل عربي يسمع بها، يؤكد ذلك الرئيس الجزائري الراحل هواري بو مدين، إذ يقول: إن دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي بلد صغير، عرّضت مصالحها للخطر عندما قطعت البترول عن الدول التي تساند إسرائيل، واتخذت قرار الحظر ضد أكبر دولة في العالم، إن دولة الإمارات اتخذت القرار وليس لديها الأساطيل البحرية أو الطائرات أو الجيوش الضخمة.

Email