حكاية «هيومان رايتس ووتش» معنا!

ضرار بالهول

ت + ت - الحجم الطبيعي

في العام 1997، بدأت منظمة هيومان رايتس ووتش إطلاق سهامها المسمومة ضد دولة الإمارات العربية المتحدة بتقرير سخيف عن حرية التعبير في الدولة. لفوا وداروا ولم يجدوا ما يأخذونه على الدولة إلا شيئاً سخيفاً من أشيائهم المعتادة، فكان أن جاء تقريرهم يتحدث عن «خرق خطير» لحرية التعبير تمارسه الإمارات..

ولم يكن ذلك الخرق الخطير سوى حظر أحد مواقع الشواذ على الإنترنت. هذه المقدمة ضرورية جداً في مناسبة صدور تقرير هذه المنظمة الذي تجنت فيه وافترت على دولة الإمارات العربية المتحدة تحت حجة حقوق الإنسان، وهي مظلة انتقائية تستخدم كسلاح قذر لابتزاز الدول والإساءة إليها لأغراض غير بريئة كما سنوضح في هذه المقالة.

والسبب أنني أوردت هذا المثال تحديداً هو لكي أوضح لكم الصورة التي تلخص عمل هذه المنظمة بشكل كامل، وهي كما يقول المثل المصري: "ما لقوش في الورد عيب، قالوا له يا أحمر الخدين". إذ ليس المهم أن تكون تحترم حقوق الإنسان أو لا، وليس المهم أن تكون خالفت المواثيق الدولية أم لا، المهم: ماذا يريد ممولو هيومان رايتس ووتش فعلاً منك.

علاقات الاحترام

ولكي نتعرف أكثر على هذا الواقع، دعونا نتعرف أولاً إلى منظمة هيومان رايتس ووتش وتاريخها القذر. ففي العام 1978 تم تأسيس منظمة باسم هيليسنكي ووتش مهمتها تحديداً مراقبة التزام الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية بما يسمى تفاهمات هيلسنكي (1976) التي نظمت علاقات الاحترام المتبادل بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وإن كانت المنظمة تغطي تقاريرها بحجة الدفاع عن حقوق المواطنين في الاتحاد السوفييتي!!

لكن هيليسنكي ووتش كانت في الواقع جزءاً من شبكة تديرها وكالة المخابرات المركزية بالتعاون مع الخارجية الأميركية، ضمت فيما بعد منظمات مماثلة تحت اسم اميريكاز ووتش، وآيجا ووتش وافريكا ووتش وميدل إيست ووتش، (تحت مظلة لجنة عرفت باسم ذا ووتش كوميتي) بينما توسع الدور من مجرد مراقبة تفاهمات هيلسنكي إلى الابتزاز الصريح تحت لافتات عدة مرة حقوق الإنسان ومرة المصالح المشتركة وغير ذلك، وكل منظمة تعمل في منطقتها خاصة ضد الدول التي إما كانت تؤيد السوفييت أو لا تتجاوب مع كل ما يطلبه الأميركان خصوصاً أمنياً وسيادياً أو تجارياً.

توحيد

ثم سقط الاتحاد السوفييتي وانتهت الحرب الباردة، فتم تجميع هذه المنظمات وتوحيدها نهاية عام 1988 في منظمة جديدة حملت الاسم الذي نعرفها به اليوم وهو هيومان رايتس ووتش! لكن تغيير الاسم لم يغير الهدف وأسلوب العمل، فقد بقية اللعبة القذرة نفسها مستمرة ولكن بزخم أكثر..

وأصبحت المناطق الجغرافية السابقة مجرد دوائر في المنظمة الجديدة مع إضافة إدارات أخرى مختصة لزوم الشغل مثل إدارة حقوق الشواذ، على سبيل المثال. إذن هذه هي الخلفية التي تأسست عليها هذه المنظمة، وعلاقتها بأولويات السياسة الخارجية الأميركية ودورها في ابتزاز دول أصبحت من الوضوح بحيث أن الأدلة عليها تكاد تزيد على عدد تقارير المنظمة نفسها، بدءاً من صمتها المريع على جرائم دكتاتور تشيلي السابق أوغستو بينوشيه..

بينما كانت تهاجم دول أميركا الجنوبية الأخرى على موضوعات شكلية ووصولاً إلى فضيحة الصمت على ما فعلته السلطات الإيرانية بالمتظاهرين الذين احتجوا على تزوير الانتخابات الرئاسية عام 2009، إلى حد عدم إصدار بيان استنكار واحد، وكل ذلك لأن المصلحة الأميركية وقتها كانت تتطلب عدم استفزاز الملالي لتيسير المفاوضات السرية حول الملف النووي.

لكن من يلعب في الظلام، يستهويه الظلام أحياناً إلى حد الإدمان، لذلك ومع أن هيومان رايتس ووتش مسجلة كجمعية خيرية (بعد أن كانت في السابق منظمة غير ربحية) ..

ويفترض أنها نظرياً تعتمد على التبرعات، إلا أن ذلك لم يمنع من أن تتحول إلى فضيحة متنقلة في ما يتعلق بمصداقية التبرعات والعبث السياسي (وأحياناً الشخصي) من أجل الحصول على الأموال الإضافية، وهو أمر مغرٍ خاصة إذا علمنا أن هذه ((الجمعية الخيرية)) لديها محفظة استثمارية تتجاوز مائة مليون دولار.

في تقرير نشرته صيف عام 2009 مجلة ذي أتلانتيك الأميركية التي تحظى بمصداقية عالية تم الكشف عن أحد أوجه هذه الفضيحة المالية المتنقلة، تمثلت في دور قميء قامت به سارة ليا وتسون مديرة الشرق الأوسط بالمنظمة، حيث استغلت سماح السلطات السعودية لها بزيارة المملكة لمحاولة جمع تبرعات للمنظمة بحجة أنها تنتقد إسرائيل، قبل أن تزور إسرائيل لاحقاً لتقوم بالعكس، أي جمع تبرعات من الإسرائيليين بحجة أنها تنتقد العرب والفلسطينيين!

ويضيف مرصد المنظمات غير الحكومية فضيحة أخرى، فتحْتَ اسم حقوق الإنسان قامت وتسون هذه بزيارة إلى ليبيا في عام 2009 حيث التقت بالعقيد معمر القذافي وابنه سيف الإسلام، وخرجت لتلقي ما يشبه قصيدة غزل عن الربيع الليبي وديمقراطية القذافي والمساحات الواسعة للحرية والحوار تحت حكمه! وتورد مصادر مختلفة أن وتسون تلقت هدية مالية سخية من العقيد القذافي بعد تلك الزيارة.

مسألة التمويل

بينما يشير تقرير آخر للمرصد نشر في 27 فبراير 2011 (أي بعد 10 أيام من انطلاق ثورة السابع عشر من فبراير في ليبيا) إلى سارة ليا وتسون باعتبارها: مديرة تسويق القذافي! وغني عن البيان والرصد سجل نظام القذافي في مجال حقوق الإنسان!

لكن مسألة التمويل لا تتوقف هنا بل إنها تكشف أبعاداً مختلفة عن الأدوار الحقيقية لهذه المنظمة. فلأنها مسجلة كجمعية خيرية تواصل هيومان رايتس ووتش الادعاء أنها لا تتلقى دعماً حكومياً وأنها منظمة مستقلة، وهذا ادعاء ينفيه تاريخها من جانب ويكذبه سجلها من جانب آخر.

فمثلاً، تلقت المنظمة تمويلاً مباشراً من منظمة أوكسفام التي تمولها الحكومة الهولندية، مما اضطرها لتعديل ادعائها والقول إنها لا تتلقى التمويل من الحكومات مباشرة. ويبلغ مجموع ما تلقته من تبرعات عامة حوالي 44 مليون دولار عام 2008 فقط (نفقاتها للعام نفسه 50 مليون دولار)، لكن هذه التبرعات (العامة) جاءت إما من منظمات تمولها حكومات أو من حسابات شخصية لأشخاص يشغلون مناصب رسمية معينة، وهو سلوك يثير الكثير الكثير من الشبهات.

أما الممول الأكبر لمنظمة هيومان رايتس ووتش وعضو مجلسها الاستشاري منذ أيام هلسنكي ووتش، فهو الملياردير الأميركي جورج سورس. وهذا الرجل يعتبر على نطاق واسع الذراع المالية لوكالة المخابرات الأميركية السي آي أيه وخصوصاً من خلال منظمته المسماة اوبن سوسيتيز فاونديشن..

ويبلغ مجموع ما أنفقه نيابة عن السي آي أيه بين عامي 1979 و2011 قرابة 8 مليارات دولار وهو يتدخل تقريباً في معظم دول العالم، كما فعل في البرازيل أخيراً عندما ألقى بثقله لصالح أحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية ضد الرئيسة دلما روسيف. وهو من أهم ممولي هيومان رايتس ووتش المنتظمين منذ تأسيسها، وآخر مبادراته في هذا المجال تخصيص مبلغ 100 مليون دولار على عشر سنوات بدءاً من 2010 كمساهمة مباشرة في تمويل المنظمة.

هذا بالطبع إضافة إلى أرباح المحفظة الاستثمارية التي أشرنا إليها والتي لا يعرف مصدر الأموال التي استثمرت بها ولا كيفية إدارتها خاصة مع هذا الكرم الحاتمي لتمويل المنظمة.

لكن هذا ليس كل شيء. فالادعاء أن هيومان رايتس ووتش لا تتلقى أموالاً حكومية مباشرة ليس صحيحاً تماماً، فلعبة الدفع بأسماء شخصية يبدو أنها تستهوي الكثيرين خاصة وأنها تجعلهم يبدو كمحسنين أو محبين لعمل الخير، وهنا أعترف أن القانون الأميركي يجعلك تحبه أحياناً لأنه ربما عن غير قصد يساعد على كشف كثير من هذه الأعمال المشبوهة، حيث نجد نوعاً آخر من الاحتيال على الحقيقة يتمثل في استئجار خدمات المنظمة مقابل مبالغ مالية ولكن تحت غطاء لعبة الأسماء الشخصية.

فعلى سبيل المثال، وعند البحث في موقع انفلونس إكسبلورر الذي يوثق عمليات اللوبي في العاصمة الأميركية، نجد أن مجموعة شخصيات يقودها توم مالينوفسكي قامت في خريف 2014 باستئجار خدمات هيومان رايتس ووتش لتنفيذ عملية محددة الوقت والهدف لصالحها في مجال حقوق الإنسان والعلاقات الخارجية مقابل مليون وربع المليون دولار لهذه المهمة فقط التي تستغرق فترة وجيزة. علماً أن المهمة المعنية نعرف عنها نظراً لكونها داخل أميركا وبالتالي يلزم القانون بتوثيقها، إذن ما هو الحجم الحقيقي للتعاقدات المماثلة خارج أميركا؟

حقوق الإنسان

لكي تتخيلوا الجواب، دعوني أقل لكم من هو هذا توم مالينوفسكي؟ إنه مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان، والمتحدث الرئيسي باسم الوزارة أمام لجنة حقوق الإنسان في الكونغرس، وبقية الأسماء المسجلة معه في الطلب هم موظفون تحت إمرته! يعني باختصار هو «الأرباب مال هيومان رايتس ووتش»!

لذلك ولكي نكون موضوعيين ومنطقيين في فهم تقرير هيومان رايتس ووتش الأخير وتهجمها على الدولة فإن الكلام يجب ألا يوجه إليها، لا إلى سارة ليا وتسون ولا إلى كينيث روث مديرها، وإنما إلى مديرهما الحقيقي ومستأجر خدماتهما (حسب النص التعاقدي) توم مالينوفسكي... وأقول له هنا بوضوح وصراحة: عفواً، توم... ما هي الصفقة التي خسرتها أميركا في الإمارات خلال العام الماضي وتثارون لها بهذا التقرير؟ أخبرنا بالله عليك!

Email