تحتضنها روضة الحنان في عجمان

قرية حميد النعيمي .. إعادة غرس التراث

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الحفاظ على التراث وإحياؤه مادياً ومعنوياً، هدفٌ أساسي لقرية حميد بن راشد النعيمي التي شيدتها روضة الحنان في عجمان. هذا المكان استطاع بفكرته النوعية أن يحتضن التراث ليرسم عالماً من الأصالة بأسلوب متقن، استأثر باهتمام الزائرين، وفي مقدمتهم حرم صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي، عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان، الشيخة فاطمة بنت زايد بن صقر آل نهيان، رئيسة جمعية أم المؤمنين، التي دشنت القرية رسمياً بحضور نخبة من التربويات وأمهات الطلبة في الروضة.

القرية التي اتخذت من باحة الروضة الخلفية موقعاً لها، تربط الطلبة بتراثهم الأصيل، إذ تعود بهم إلى حياة الآباء والأجداد، لتضعهم في صورة مختزلة عن نموذج الحياة القديمة في البر والبحر، حيث الصيد والبحث عن اللؤلؤ والرعي، وغيرها من الأعمال والحرف التراثية التي تميز بها الأجداد، فضلاً عن الألعاب الشعبية المتميزة.

ورشة عمل

وأظهرت قرية حميد بن راشد النعيمي التراثية، صورة رائعة للتعاون والتكاتف بين الهيئة التدريسية والإدارية والطلبة وأولياء الأمور، تكللت برغبة كبيرة وحماس لافت، وصبر وتصميم، حيث شكّل الجميع ورشة عمل دؤوب، تمكنوا من خلالها من تجسيد بيئة تراثية حقيقية، من سعف النخل وبعض الخامات المحلية، إضافة إلى وضع النماذج التراثية في أماكنها المناسبة، وهذه النماذج من مشاركات الطلبة الذين قدموا الفقرات وعبروا عن تراثهم بعفوية خالصة، كما أبدى أولياء الأمور تعاوناً جعل القرية عنواناً للتراث والأصالة، بكل تجلياتها وتفاصيلها.

مريم الزرعوني، مديرة الروضة، تحدثت عن الهدف من إقامة القرية التراثية التي تحمل اسم صاحب السمو حاكم عجمان، النابع من الحرص على تجسيد التراث الإماراتي الأصيل، بما فيه من عبق الماضي وعظمة الآباء والأجداد، حتى يتبصر الطلبة تراثهم العريق ويعتزوا به ويحفظوه في قلوبهم، وكي تترسخ فيهم أقوال ومآثر الشيوخ والحكام من قبيل «من لا ماضي له ليس له حاضر ولا مستقبل»، معتبرة أن الحفاظ على التراث ونقله للأجيال المقبلة، من أهم المسؤوليات الوطنية، خصوصاً لمن يعملون في سلك التربية والتعليم، باعتبار التراث محوراً أساسياً من محاور الهوية الوطنية.

ركن الصفار

وقالت إن القرية ضمت أركاناً عدة؛ أبرزها «ركن الصفار» وهي مهنة عرفت قديماً بأنها مهنة مختصة بصيانة الأدوات النحاسية، وتنظيفها وتغيير لونها، وتحويلها إلى السواد، ويطلق على هذا العمل «الصفر»، مشيرة إلى أن من أهم منتجات الصفار: «القدور ودلات القهوة والطوس والملال والكاسات ودلة المصب»، وهذا الركن بالتحديد تم ترتيبه بإشراف المعلمتين ميثاء حميد وفاطمة سالم اللوح.

الملابس الشعبية

واحتضن ركن الملابس الشعبية، أنواعاً كثيرة من الأقمشة منها: «بوقليم وبوتيرة وصالحني وبوقفص ووتيله ودمعة فريد والشال»، فيما عكس ركن الدكان الشكل القديم للبقالة التي كانت منتشرة في «الفرجان»، إضافة إلى تجسيد لركن الكتاتيب وكيفية تدريس الطلبة وتحفيظهم القرآن بجهود المطوع أو المطوعة. ونال البيت الحجري حيزاً من القرية التراثية، وهو نموذج للبيت الإماراتي القديم الذي عرف في المناطق الجبلية، حيث تستغل حجارة الجبال لبناء المأوى، حيث باتت البيوت الحجرية جزءاً من التراث الإماراتي الذي يدل على نمط العيش في ذلك الوقت، وكيف كان الفرد مسؤولاً عن بناء المسكن لأسرته، كما كان يعتمد على الطوي في جلب المياه، ومن أشهر المواقع في هذا الوادي: الكوش والمطاف والحلة والفرامة، وكلها مناطق سكنها الإماراتي قديماً في منطقة شمل.

البيئة البحرية

ولم تغفل قرية حميد بن راشد النعيمي التراثية، البيئة البحرية التي تشتهر بها دولة الإمارات، وعن ذلك قالت مديرة الروضة إن هذا الركن جسد البيئة البحرية القديمة، ومهنة الصيد والبحث عن اللؤلؤ التي كان يعمل فيها الكثير من أبناء الدولة ومنطقة الخليج، حيث تشمل كل مظاهر الحياة القديمة، منها المهن والحرف التي كان يستخدمها الآباء والأجداد، ومن أهمها حرفة صيد الأسماك واللؤلؤ التي كان يتصدى لها الصيادون، بينما تخرج النساء والأطفال لوداع الرجال. وأضافت أن ارتباط أبناء الإمارات بالبحر أكسبهم معرفة الجغرافيا والفلك والتجارة والصناعة، فكانت صناعة السفن نتاجاً طبيعياً لحياتهم البحرية. وتضمنت القرية التراثية، فقرات شعبية، منها العرس الإماراتي الذي قدمه الأطفال، ومجسم لبرج قديم كان يستخدم للمراقبة، وغيرها من الفعاليات النوعية التي تعزز التراث وترسخ القيم الثقافية الأصيلة في نفوس الطلبة.

وثمنت الدكتورة فاطمة علوان، نائب مدير منطقة عجمان التعليمية، فكرة إنشاء القرية، الرامية إلى غرس تفاصيل تراثنا العربي الأصيل، وقيم الآباء والأجداد في نفوس أبنائنا الطلاب والطالبات، من خلال إقامة مثل هذه الفعاليات التي يتعرفون من خلالها إلى الصناعات القديمة، والأعمال التراثية ومهن الآباء والأجداد التي تمثل ثقافتنا وتراثنا، بما يسهم في ربط الطلبة بماضيهم وتاريخ آبائهم وأجدادهم.

مشاهد إبداع أصيلة

أبدت الدكتورة فاطمة علوان، نائب مدير منطقة عجمان التعليمية، سعادتها وانبهارها بما شاهدته في روضة الحنان، وما حملته القرية التراثية من معانٍ وأهداف راقية، تعكس ارتباط أهل الإمارات بالماضي الأصيل الذي يعبر عن أنماط الحياة وبيئاتها المختلفة، متقدمة بالشكر والتقدير إلى كل من ساهم في إيجاد هذه الفكرة الأصيلة، حتى خرجت القرية التراثية بهذه الصورة الجميلة والمعبرة، داعية المدارس والطلبة وأولياء الأمور، إلى الاستفادة من القرية الغزيرة بالإيجابيات والمكتسبات، على أمل المحافظة على عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة، وإبقائها في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، خصوصاً وأن أركان القرية الثريّة تشتمل على كل ما كان في الماضي، وتبرزه بأبهى صوره، وهو ما يروي مشاهد من الإبداع نسجتها جهود مشتركة.

Email