غيابها عن مناهج الجامعات يحرم الطلبة فرصاً حياتية بديلة

شيزو ناكاجيما: المعرفة تحمل الاستمرارية وتقدم بدائل

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«يعتمد القرار الصائب على المعرفة وليس الأرقام»، قول للفيلسوف الإغريقي أفلاطون وتمحور حوله لقاء «البيان» بضيفة مؤتمر المعرفة المتحدثة الدكتورة، شيزو ناكاجيما مديرة المركز العالمي للنزاهة في كلية لندن غيلدهول للأعمال والقانون، والتي تحدثت عن محاور تعتبرها بمثابة شرايين المعرفة.

«تتسم المعرفة باستمراريتها عبر التاريخ، وارتباطها بالمجتمع الإنساني. وللأسف فقدنا هذا التواصل إلى حد ما في الزمن الحاضر. فمن المهم جداً أن يلم كل منا بالتاريخ والفلسفة والمعارف البعيدة عن اختصاصنا. وما يثير القلق في هذا العصر، غياب اهتمام معظم الجامعات بإدراج المعرفة ضمن مناهجها، ضمن حمى المنافسة بين الجامعات».

وتتابع: »حتى في مجال التخصص توجهت المؤسسات إلى تكثيف برامجها لتزويد الطلبة ببرنامج أكاديمي يتناسب واحتياجات السوق، والتي تتيح للخريجين فرص عمل سريعة. هذه النتيجة السريعة مقلقة جداً، إذ تحرم الطلبة فرصة تأسيس البنية التحتية لمعرفتهم المنقولة من الأجيال السابقة من جهة، ومن جهة أخرى فرصة استخدام عقولهم في البحث والاكتشاف ومحاكمة المنطق«.

مهارات بديلة

وأشارت فيما يخص نتائج غياب المعرفة العامة من منهاج الجامعات قائلة: «حرمان الطلبة من قدرات البحث والمحاكمة واستخدام المنطق وبعد الأفق، يجعل فرص فقدانهم لعملهم سريعة خاصة لدى مواجهة أزمة أو صعوبات ليست لديهم القدرة على مواجهتها. ومن جهة أخرى لا يستطيعون تطوير مهارات بديلة مع مضي الزمن تساعدهم على الانتقال باتجاهات مهنية أخرى أكثر قرباً لهم. وما أعنيه هنا، الاستثمار الطويل الأمد في الإنسان».

مهارات رقمية

وتقول شيزو رداً على سؤالنا حول اعتقادنا بتكريس أغلب الجامعات في الغرب للبحوث والدراسات، «كان هذا في الماضي. باتت نسبة الجامعات المعنية بالبحوث نادرة جداً في ظل المنافسة الأكاديمية التجارية فيما بينها، كذلك زيادة أعداد الطلبة بالآلاف مقارنة بالماضي».

وتقول حول هذه الإشكالية: «بدأ العالم يدرك بعد الأزمة المالية العالمية أن الاستثمار السريع يلبي احتياجات العميل في اللحظة الراهنة دون حساب للنتائج على المدى الطويل، مما يتسبب بكوارث إنسانية ومالية. ما تخرجه الجامعات شباب بمهارات رقمية دون إدراك ووعي بدورهم الإنساني ومسؤوليتهم المجتمعية».

نسبة رقمية

وتختصر رؤيتها بقولها: «ترتبط النوعية بالمعرفية وباستدامة التطور والقدرة على مواجهات التغيرات، والتفكير بحلول وبدائل ضمن منظومة من القيم والأخلاق الإنسانية التي لا يمكن فصلها عن الأرقام والربح والخسارة. وما يُجرد الإنسان من كينونته وقيمته تحويله إلى نسبة رقمية في الإحصائيات والدراسات».

معرفة تفاعلية

وانتقلت شيزو بعد ذلك إلى احتياجات المعرفة التفاعلية قائلة، «ما نحتاجه الاستثمار في الإنسان على المدى الطويل، فهو الثروة الحقيقية لنهضة الاقتصاد والصناعة بعيداً عن المحاكمة الرقمية المرعبة التي لمسنا نتائجها ولا نزال نعيشها».

القدرة والتكيف

تحدثت بعد ذلك عن العلاقة بين العائلة والمعرفة قائلة، «كان الاعتقاد السائد فيما يتعلق بتربية الأبناء النموذجية، يتمثل في تكريس البيئة النموذجية لدراستهم، وبالتالي عزلهم عن مختلف أوجه الحياة والقدرة على التكيف معها ومع صعوباتها. واتخاذ القرارات مع الإحساس بمسؤوليتهم تجاه نتائجها. ومن المهم جداً استعادة المفهوم الأخلاقي «النزاهة» في مختلف أوجه العمل والدراسة والحياة والعلاقة بالمجتمع».

مسؤولية

تقول شيزو ناكاجيما عن الدور الأبرز في تفعيل المعرفة، «تلعب الموارد البشرية دوراً بارزاً في تفعيل دورها، وإدراك العاملين بمختلف تخصصاتهم، ومن جانب آخر استثمارهم في الموظفين على المدى الطويل، وعدم اعتبارهم أداة أو وسيلة بحد ذاتها. ما علينا إدراكه أن إدارة المعرفة ترتبط ارتباطا وثيقا بإدارة الموارد البشرية».

cv

الدكتورة تشيزو ناكاجيما بروفيسور في القانون وحوكمة الشركات، المركز الدولي للتكامل والإدارة - لندن، ولديها خبرة واسعة في تقديم الاستشارات للمنظمات الحكومية الدولية لمختلف القضايا القانونية والإدارية، كما أنها تحاضر في العديد من المعاهد والجامعات وفي مقدمتها جامعة كامبردج ومنتدى لندن العالمي لجرائم الاقتصاد. وصدر لها مؤلفان.

 تجارب ناجحة لتفاعل جامعات عربية مع الشباب

هل الثقافة المجتمعية والنظم القيمية السائدة تعارض أم تدعم المشاركة الفاعلة للشباب في عمليات نقل وتوطين المعرفة؟ وما هي نقاط الضعف والقوة في هذا المجال؟ هذه التساؤلات جزء من محاور الجلسة الرابعة «استراتيجيات الدمج الناجح للشباب العربي في عمليات نقل وتوطين المعرفة» لليوم الثاني من «مؤتمر المعرفة الأول» والتي استعرض فيها كل من الدكتورة كرمة الحسن والدكتورة انعام بيوض والدكتور خليف الطراونة تجربتهم الأكاديمية مع الشباب ليحاورهم زميلهم الدكتور عصام الرواس.

وما يجمع بين الأكاديميين المتحدثين خصوصية تجربتهم المكتسبة من عملهم في جامعات عربية نموذجية ومشاركتهم في إعداد تقرير المعرفة الأخير خاصة الجانب المرتبط بالشباب.

تحفيز الشباب

تحدثت في البداية الدكتورة كرمة الحسن مديرة مكاتب البحوث المؤسسية والتقييم في الجامعة الأميركية ببيروت، عن تجربة الجامعة الأميركية في كيفية تحفيز الشباب للتفاعل مع المعرفة، باستمرارية عبر خلق بيئة تمكينية تزود الشباب الحالي بالأدوات وتساعده على اكتساب المهارات وبالتالي الارتقاء بالمعرفة. وذلك من خلال افتتاح العديد من المراكز والفروع التي يعنى كل منها بتوجه ما، مثل احتياجات سوق العمل من كفاءات لدى الخريجين، والتعليم الإلكتروني للأساتذة والطلبة، ومهارات الكتابة.

معرفة الأخلاق

واستعرضت الدكتورة انعام بيوض مديرة المعهد العالمي العربي للترجمة في الجزائر، العلاقة بين التعليم العالي والمعرفة وضرورة إعادة النظر في مناهج التدريس من خلال الرؤية المستقبلية للمجتمعات. وقبل كل ذلك ارتباط توطين المعرفة وازدهارها بالاستقرار والأمان وبالتالي استعادة ثقة الشباب بالمستقبل.

وأثارت نقطة جدلية تمحورت حول مفهوم البلدان الأوروبية وتكتلها لاكتساب قوة على الرغم من اختلاف لغاتها، ففي الاتحاد الأوروبي 28 دولة فيها 25 لغة، لتنفق ملياري دولار على ترجمة المعرفة، مقابل 20 دولة عربية تتحدث لغة واحدة لا يوحدها حتى خطاب شمولي.

كما أكدت على أهمية منظومة القيم الإنسانية التي أغفلها التعليم المبكر من برامجه، كالأمانة والنزاهة والرقابة الذاتية وحب العمل والإخلاص، والإتقان.

نبض المعرفة

أما الدكتور خليف الطراونة رئيس الجامعة الأردنية، فتحدث عن أهمية التواصل والتفاعل مع الشباب ومعايشة نبض حياتهم. وأشار إلى تواصله المباشر مع طلبة جامعته ضمن أنشطة مختلفة منها الإذاعة والإفطار الشهري والمحادثة على الموقع الإلكتروني.

ثم انتقل إلى التساؤل إن كان ما وفرته الدول العربية من تقنيات التواصل قد أحدث فرقاً في الوعي المعرفي لدى الشباب، وكانت الإجابة سلبية، حيث لم تحد هذه الوسائط من ثقافة التطرف الناتجة عن الفجوة بين ما «نُعلّم» و«نتعلم».

وأكد على أهمية تعزيز «ثقافة التميز» عن الشباب العربي وخلق المبادرات والأنشطة التي تساعدهم على تحقيق أحلامهم الصغيرة ليستعيدوا ثقتهم بأنفسهم ومحيطهم لتحقيق أحلامهم الكبيرة. وأكد على أهمية ثقافة التميز التي ينادي بها الجميع، دون فعل على أرض الواقع، سواء في سلم المرتبات أو الحوافر وغيرها. ونادى بإنشاء بنك المعرفة العربي الذي يضم برامج إلكترونية يتواصل من خلالها الشباب بنهج معرفي جديد، بعيداً عن مفهوم التلقين والتلقي.

الساعة المتوقفة تصيب مرتين

«حتى الساعة المتوقفة تصيب مرتين» مقولة استشهد بها المتحدث المغربي الدكتور عبدالرحيم العطري. والتي دفعت عدداً من الحاضرين إلى الحوار فيما بينهم بعد انتهاء جلسة إدماج الشباب العربي في نقل وتوطين المعرفة، حول مضمون معاني هذه المقولة معانيها والمغزى منها. وليقودهم بحثهم إلى مضمونها المعرفي إلى التالي:

كيف تعرف أن اختيارك أو قرارك صحيح؟ وماذا إن كنت خاطئاً؟ في هذه الحال يأتي الجواب بالمقولة. بما معناه يكفي أن تبذل ما في وسعك في حياتك كي لا تشعر بالندم. فبناء شخصية الإنسان مستمد من استمرارية جهوده ومحاولاته، بدلاً من الاستسلام لمخيلة الأحلام. بالطبع الحلم بالأهداف عامل محوري في الحياة، على ألا تهيمن على جلّ تفكيرنا، لنشعر بالخيبة إن لم تتحقق كما أردناها في أحلامنا. لذا من الضروري التخلي عما لا حاجة لنا به، لنكتسب بالمقابل المزيد من الطموحات والمهارات.

مستجدات

المعرفة والتعليم

يقول أندور أو سالمان المسؤول عن 25 مدرساً في كلية التقنية، عن دوافع متابعته لمؤتمر المعرفة الأول: أنا مهتم بمتابعة مستجدات المعرفة بعد خروجها من حدود مصطلح المعرفة الاقتصادية، إلى المعرفة المجتمعية، خاصة وأن رؤية دبي المستقبلية تشمل تأهيل شباب المستقبل وتسليحهم بالعلم والمعرفة والمهارات ليتسلموا أدواراً تتجاوز المفهوم التقليدي للوظيفة. ومثل هذا المؤتمر فرصة قيّمة للمدرسة والطلبة من مختلف المراحل.

إعلام

المبدعون في ضيافة المؤتمر

التقى الصحافيون والإعلاميون بالمركز الإعلامي في اليوم الثاني من المؤتمر جمال بن حويرب العضو المنتدب في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، الذي أجاب بدوره عن مجموعة متنوعة من الأسئلة المعنية بالمؤتمر والتطلعات المستقبلية واستضافة البلدان العربية الأخرى له، وكيفية تطبيق توصيات ما ورد في تقرير المعرفة على أرض الواقع. وأشار إلى فكرة استضافة المؤتمر في دورته المقبلة لمجموعة من الشباب المبدعين مع عرض اختراعاتهم وإبداعاتهم.

Email