محمد صالح بن بدوه الدرمكي متحدثاً عن القائد المؤسس:

زايد حقق الحلم وألبس الإمارات ثوب الاتحاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين تذكر الإمارات، حتماً سيحضر إلى الذهن المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وما أن تذكر زايد لا بد وأن تتذكر قيام دولة الإمارات، فتلك علاقة عضوية مترابطة المعطيات؛ بين الإنسان والمكان والزمان، أما الإنسان في موضوعنا اليوم فهو زايد، والمكان دولة الإمارات، والزمان الثاني من ديسمبر 1971، يوم إعلان الاتحاد. في سياق الحديث عن هذه المناسبة لا نستطيع أن نوقف عجلة الزمان، إلا أنه بإمكاننا أن نستخلص منه قصصاً وحكايات، وعبراً تنهل منها الأجيال، وفصول إعجاز كثيرة باتت علامة فارقة وصورة أمل مشرقة لماضٍ وحاضر ومستقبل آت.

محمد بن بدوه الدرمكي أثناء حديثه لـ "البيان"

 

عندما تفكر في تناول سيرة ذاتية، أو تستعرض مواقف وقيماً إنسانية لشخص ما، ستختار من كان له رفيقاً، ومن جالسه وسار على دربه، وعايش خبراته وتجاربه، وتقارب مع فكره ووجدانه، من شاهد وسمع عن قرب، دون تكلف أو تصنع، فتلك مسألة في غاية الصعوبة، ولكن حين الحديث عن الشيخ زايد رحمه الله، فكل تلك المتطلبات ستتلاشى، لأن المواقف والحقائق والإنجازات تتحدث عن نفسها دون تكلف، ويرويها الصغير قبل الكبير، دون حاجة إلى شهادات الرواة، إلا في ما ندر من حقائق وتفاصيل كثيرة؛ تركها زايد لأهل الإمارات؛ حجة لهم في التفرد والتميز والبذل والقدوة في البناء والخير والعطاء.

رفيق الدرب

محمد صالح بن بدوه الدرمكي، من الشخصيات الإماراتية الوطنية التي كُتب لها أن تولد وتعيش في ذلك الزمن الجميل، تحت راية وفكر الشيخ زايد، رحمه الله، وأن توكل إليه مهام عدة لتنفيذ التوجهات، وترجمة الأفكار والقرارات على أرض الواقع. في منزله استقبلنا «بو صالح» فاتحاً لنا قلبه وعقله ووجدانه، ودون تكلف سألناه: أين نحن الآن بعد 43 عاماً من عمر الاتحاد، كيف كانت البدايات، وكيف أصبحت الإمارات؟

أجاب الدرمكي: عندما تذكر الشيخ زايد، رحمه الله، ستقف حائراً من أين تبدأ، فهو المنجز والفاعل والمؤثر منذ فترة توليه مقاليد الحكم ممثلاً لحاكم أبوظبي في المنطقة الشرقية، حيث كانت البدايات الفعلية للخطى الأولية التي رسمها زايد، رحمه الله، وسار عليها أبناؤه وأحفاده.

قبل الاتحاد؛ جمع زايد أبناء القبائل في تلك المنطقة، مشكلاً بهم نواة سليمة لزرع معطاء، على درب الارتقاء بالإنسان وتعمير المكان، فالأرض رمال وصحراء قاحلة، لا ماء فيها ولا زرع، وأبناؤها قبائل متناثرة في منطقة تعج بالتحولات السياسية والاجتماعية.

التجربة الأولى

وأضاف إن تجربة زايد الوحدوية والتطويرية الأولى كانت في مدينة العين، وأثبت من خلالها أن التآزر من أهم عناصر نهضة وبناء الأوطان، وقد عبّر رحمه الله، عن مفهومه للوحدة حين قال: «الاتحاد هو خير طريق للقوة، وطريق للعزة والكرامة والمتعة والخير المشترك. والفرقة لا ينتج عنها إلا الضعف، والكيانات الهزيلة لا مكان لها في عالم اليوم»، تلك كانت قناعته دائماً.

مقومات الوحدة

وأوضح الدرمكي أن الشيخ زايد، رحمه الله، تبصّر في واقع المنطقة، فوجد شعباً يجمعه على مر الزمان عرق واحد، ودين مشترك، وتراث متأصل ومتشابه، وأمل واحد، فازداد إصراره على جمع الشمل وتوحيد الكلمة، وتجسدت رؤيته، رحمه الله، بأحلام كل أبناء الوطن، إذ كان يرى أن يرتكز الاتحاد على الإمارات القريبة، وأن يترك الباب مفتوحاً لمن يرغب من الأشقاء، حيث كانت الفكرة تشمل 9 إمارات في منطقة الخليج، وكان هناك فريقان: «مؤيد ومتريث». ولأن الإنسان هو الغاية في فكر زايد وممارسته، فقد ركز، رحمه الله، على بناء الإنسان والاستثمار فيه، فالبشر قبل الحجر، وعزاؤنا على فراقه، أننا نرى اليوم على أرض الإمارات ما أراده زايد، رحمه الله، وخطط له، حتى بتنا دولة نمتلك كل مقومات التطور الحضاري والإنساني.

حقيقة الاتحاد

يعود محمد صالح الدرمكي إلى الأيام والساعات التي سبقت قيام اتحاد الإمارات، والجهود التي بذلها المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأخوه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، إلى مرحلة تشكيل اللجنة المشتركة التي ضمت عدداً من الخبراء والمستشارين، والتي مهّدت سبيل الثقة والوئام بوضع الأسس الصلبة للاتحاد؛ كان ذلك في نوفمبر 1971.

في الثاني من ديسمبر أعلن حكام كل من: أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة، الذين وقعوا على الدستور المؤقت في يوليو 1971، عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وبعد ذلك وبصفتهم أعضاء المجلس الأعلى، انتخبوا المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أول رئيس للدولة لفترة خمس سنوات، كما تم انتخاب المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائباً للرئيس، وعُيّن ابنه المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم رئيساً لمجلس الوزراء.

العين.. البداية

وقال محمد بن بدوه الدرمكي أن فترة حكم الشيخ زايد العين شكّلت أساساً في رؤيته ومسيرته نحو الوحدة والاتحاد، فتلك المدينة التي أحبها زايد؛ ظلت منبع إلهامه، ومنطلقاً نحو العمل لتأسيس بنيان دولة، وكانت البدايات بتأسيس ديوان الحاكم في قصره في الجاهلي، وبات ذلك القصر رمزاً وطنياً ومتحفاً يروي تاريخ دولة الإمارات الحديث. أما النقلة النوعية الكبيرة التي بدأت مطلع سبعينيات القرن الماضي، فتمثلت في اتحاد أبناء الإمارات الموزعين إلى قبائل وأسر في إمارات ومناطق مختلفة، فقد ألمّ، رحمه الله، بالتاريخ، وأدرك أن الشعوب لا يمكن أن تستمر قوية حرة دون أن تجمعها الوحدة، ويؤلف بين أبنائها الحب والتآخي والوفاء والحلم المشترك.

الدرمكي في سطور

محمد صالح بن بدوه الدرمكي، من مواليد مدينة العين، لأسرة كريمة الحسب والنسب، اتخذت من المسعودي والقطارة مستقراً لها. كان ومازال على مقربة من جميع أنجال وأحفاد الشيخ زايد، فهم الامتداد الطبيعي لتلك المسيرة العامرة بالخير والعطاء والوفاء. تولى مبكراً عدداً من المهام والوظائف التي أوكلت له: عضو سابق في المجلس الوطني الاتحادي، ووكيل ديوان ممثل حاكم أبوظبي في المنطقة الشرقية لسنوات عدة، وعضو المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، ورئيس دائرة الجمارك في أبوظبي، ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس إدارة جمعية السلامة المرورية. والدرمكي شخصية رياضية من الطراز الرفيع، فهو عضو ومؤسس لنادي العين، وشغل مناصب عدة في مجلس إدارته وعضوية مجلس الشرف، وقد مارس لعبة كرة الطائرة لاعباً وإدارياً لها.

نهج

قيادة حكيمة تستنير بفكر رشيد

أشار محمد صالح الدرمكي إلى أن الإمارات تجاوزت بتميز واقتدار مفهوم الاتحاد إلى مفهوم الدولة، كما أشار إلى ذلك الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأمسى «البيت متوحداً».

وأضاف إن العالم يحسدنا اليوم على ما نحن فيه، وقد أنعم الله علينا بقيادة حكيمة مستنيرة بفكر رشيد، وهي تسير على ذات النهج الذي أسس له زايد رحمه الله، بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وإخوانهما أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات.

ولفت الدرمكي إلى حالة التوافق والتواصل والحب والانسجام بين القيادة وأبناء الشعب، والتي تنسج فكراً فريداً لدولة حققت المعجزات في سبيل رفاهية وسعادة شعبها، وهو ما يبرر واقع الولاء والانتماء للدولة والقيادة على حد سواء.

امتداد

أنجال زايد يحفظون خصاله الحميدة

أوضح الدرمكي أن صفات وخصال زايد، رحمه الله، أكبر من أن تعد وتحصى، فهو مدرسة في كل شيء، ومجلسه كان مفتوحاً للقاصي والداني، فيه ومنه تصنع وتتخذ القرارات في شتى المجالات، وما نراه اليوم من خصال حميدة يدركها الجميع بجلاء، لدى أبناء زايد دون استثناء، خير دليل على قدوة زايد وتأثيره الإيجابي في محيطه الأسري والوطني الواسع، فكل أنجال زايد يحملون سمات وخصالاً متأصلة من صفات والدهم، رحمه الله، وهذه الخصال تتكامل لتشكل امتداداً طبيعياً لمسيرة زايد الخالدة في الفكر والعقل والوجدان.

لم ينبهر بالسلطة ولم ينشغل عن الناس

في هذه المساحة نعرض سجلاً يسيراً من يوميات مؤسس دولة الإمارات، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، فقد كان، رحمه الله، قائداً وحاكماً ورائداً وحكيماً، فهو الأب لأبنائه، والشيخ لقبيلته، لم تشغله هموم الحكم، ولم تبهره السلطة، طالما أن نهجه الفطرة التي فطره الله عليها.. فطرة الخير.

يروي بن بدوه الدرمكي أنه عندما تفجرت المياه في حضن جبل حفيت بمدينة العين، كان زايد، رحمه الله، سعيداً جداً بهذا الحدث، وقال: سيكون هذا المكان موقعاً متميزاً للراحة واستمتاع الناس، وما هي إلا سنوات حتى اكتسى سفح جبل حفيت اللون الأخضر، وبات متنزهاً تقضي فيه الأسر أوقاتاً جميلة بلا حدود.

وقد اتخذ زايد استراحة له فوق قمة إحدى التلال هناك، وكان يمر بين الناس يتفقد أحوالهم، وذات يوم عندما كان المتنزه مزدحماً بالزوار، أمر بتقديم وجبات عشاء لكل الموجودين في المكان، وتم جلب ثلاثة آلاف وجبة عشاء، وتقديمها لزوار المتنزه، ثم سأل رحمه الله: «انبسط الناس»؟، وعندما تأكد من سعادتهم، ارتسمت على وجهه ابتسامة وقال: الحمد لله.

الصحراء وأوروبا

أثناء جولاته؛ كان، رحمه الله، يتوقف في الصحراء فجأة ليتحدث مع شخص، ربما يكون عاملاً بسيطاً أو مزارعاً، يسأله عن نفسه وعمله وحاله، وحال أسرته ومعيشته، ويأمر بحل مشكلته أن كانت لديه مشكله، ثم يعطيه ما تيسر، ويمضي ليكمل جولته.

ومن القصص التي تروى أنه، رحمه الله، عندما كان يقضي إجازاته في دولة أوروبية، كان يتلقى رسائل كثيرة فيها مطالب شخصية، فيأمر بحل المشكلات وتقديم المساعدات لكل من يطرق بابه، ومن مزاياه أنه كان يفرض على أنجاله وأحفاده أن يظلوا قريبين من الناس ومتفاعلين معهم، وكان يأمر أنجاله بركوب الهجن من العين إلى أبوظبي.

الخير للجميع

وظل زايد، رحمه الله، يعطي بسخاء، ويحرص على ألا تعلم شماله ما أعطته يمينه، ويشعر بسعادة بالغة وهو يرى الابتسامة على وجوه من أمر بحل مشكلاتهم، وذلك لا يقتصر على المواطنين وحسب، بل يشمل المقيمين وسواهم، فقد كان يعطي كل من جاء يعرض مسألته، وكان يطلب من زواره أن يعرضوا عليه ما يحتاجونه، ويسعد عندما يرى السرور والبهجة على وجوههم، وكان لا يخلد للراحة بعد عناء رحلة القنص، إلا بعد أن يطمئن على كل من معه، ثم يتفقد أحوالهم صباحاً.

الزراعة حياة

اهتم الشيخ زايد، رحمه الله، بالزراعة بشكل خاص، ورأى فيها الحياة بأبهى صورها، وتجسد ذلك خصيصاً في جهوده الخضراء في مدينة العين، حين بادر بتوزيع الأراضي على المواطنين، وتشجيعهم على العناية بها، وأصدر تعليماته بعدم قطع الأشجار أو إزالتها، لاسيما الغاف والنخيل، حتى لو توسطت الطرقات، وحرص على توفير أحواض خاصة لها. وفي هذا المضمار استمر زايد في متابعة الزراعة وتحديد أصنافها وأماكن زراعتها وطرق رعايتها، حتى تحولت مدينة العين إلى واحة غناء وسط رمال الصحراء.

Email