الوالدة حمدة تقارن أعراس الماضي في «الفرجان» مع الحاضر

زواج زمان.. العروس تختفي عن الأنظار شهرين

طقوس الزواج قديماً لم تكن مرهقة مادياً أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مراسم الزواج بين الماضي والحاضر اختلفت وتنوعت أركانها، في مسميات مختلفة؛ المهور والملابس والولائم والحفلات، ففي الماضي اتسمت هذه المراسم بالبساطة والتجرد من مظاهر الغلاء والبذخ والإسراف، وكانت الحفلة تتم وسط وتقتصر على حضور الأهل والأقارب وأبناء «الفريج». واليوم توشحت الأعراس بالمبالغة المفرطة والغلاء الزائد والإسراف في المهور، والانغماس في الترف وفي ما تقدمه الحفلات والولائم، حتى أمست علامة للتباهي والتفاخر بين الأهل والأصدقاء، هكذا يوضح لسان من عاش الماضي وعايش الحاضر.

الوالدة حمدة المزروعي «أم أحمد» إحدى أبرز المهتمات بماضي الإمارات وحاضرها، شاهدة عيان على ماضٍ بسيط وحاضر لا يخلو من التعقيد، منحتنا هذه الفرصة للتعرف على ملامح العرس الإماراتي قديماً، ومقارنتها مع السائد حديثاً.

بدأت الوالدة حمدة حديثها بالقول إنها من مدينة أبوظبي، تزوجت في سن صغيرة وانتقلت للعيش مع زوجها في أحد محاضر ليوا في المنطقة الغربية بأبوظبي.

سن صغيرة

وأضافت ان الزواج اختلف كثيراً بين جيلين، ومن مظاهره قديماً أن الفتاة كانت تتزوج في سن صغيرة بين 13 و17 عاماً، وقناعة ذلك قديماً مردها إلى العفة والستر للرجل والمرأة على حد سواء، أما اليوم فارتفع سن الزواج إلى منتصف العشرينات وربما الثلاثينات، ومبرر ذلك الدراسة والعمل والاستقلالية وما إلى ذلك.

وأوضحت أن مهمة البحث عن الزوجة قديماً تبدأ حين يذهب أهل «المعرس» إلى بيت أهل العروس بعد تحديد موعد للزيارة، وفي تلك الخطوة يتم التقرب من أهل العروس وطلب الزواج من ابنتهم.

وخلال الزيارة وبوجود ملامح الموافقة والرضا بين الطرفين، يتم الاتفاق على متطلبات الزواج من المهر والذهب، إذ كانت المهور تتراوح قديماً بين 500 درهم وتصل في أقصاها إلى ألفي درهم، واليوم تضاعفت المهور مئات آلاف المرات، وأمست أرقامها كبيرة جداً، ناهيك عن المتطلبات المادية الأخرى التي ترافق فترة الخطوبة والزواج.

وأكدت الوالدة أم أحمد المزروعي، أن الزواج اختلف في شكله ونمطه وأجوائه الاجتماعية، وإن كان عصبه التقليدي ثابتاً نسبياً. أما الاختلاف فطال شتى مقومات العرس التقليدي؛ من المهور والحفلات والولائم وحتى موقع العرس، وما صاحب ذلك من بذخ وإسراف وغلاء متراكم.

وقالت إن الزواج حديثاً يحتاج إلى مبالغ كبيرة لا تقل غالباً عن ربع مليون درهم، وذلك أمر مرهق جداً لأي أسرة، ويؤدي حتماً إلى ظهور آثار مجتمعية سلبية، مثل عزوف الشباب عن الزواج، ما ينجم عنه ارتفاع وتأخر سن الزواج، ولجوء الشباب إلى الزواج بفتيات أجنبيات أو الوقوع في براثن وقيود البنوك وقروضها.

ارتفاع مستمر

وتابعت الوالدة حمدة المزروعي، أن كلفة الزواج في ارتفاع مستمر، إلى جانب ما يتوجب على المعرس أن يوفره لعروسه؛ من 100 إلى 200 ألف درهم لتشتري ما تحتاجه من أساسيات العرس وكمالياته، حيث تحصل العروس على الطقم الأساسي من الألماس أو الذهب، بقيمة 100 ألف أو 150 ألفاً، ويُكمل أهل العروس إن كانوا من عائلة مقتدرة، في شراء هدايا أخرى للعروس. وأشارت إلى أن العروس تذهب إلى صالون التجميل منذ فترة طويلة قبل زواجها بشهرين، فهي تهتم بنفسها من الناحية الجمالية والصحية تماماً كما هو لسان حالها قديماً، وبشكل مبالغ فيها حالياً.

دور «المعرس»

قديماً، وبعد الموافقة بين العائلتين يأتي دور «المعرس» في التقرب من أسرة العروس عن طريق تبادل الزيارات وتقديم الهدايا. وتروي أم أحمد المزروعي أنه بعد تحديد موعد عقد القران ويوم الزواج، فإن الدارج أن يطلب أهل العروس مهلة من شهر إلى شهرين للاستعداد للزواج، وخلال هذه المهلة تعتكف العروس ولا تظهر أمام أحد إلا يوم العرس، لافتة إلى أن أهل العروس يستغلون هذه الفترة لشراء ما يلزم ابنتهم من ملابس وعطور وكافة احتياجاتها للزواج.

وقديماً كانت العروس تركز على شراء العطورات، ومن أهمها دهن العود والزعفران والعنبر والصندل والمخمرية والدخون، حيث ان العطور من العادات العربية القديمة المتأصلة عند البدو.

مهلة الزواج

وأشارت الوالدة حمدة إلى أنه ومنذ اليوم الأول من المهلة، تبدأ النسوة في إعداد العروس، يشمل ذلك تقديم وجبات صحية مفيدة لها من المطبخ الشعبي الإماراتي، التي بدورها تركز في أكلها على الطعام الغني بالبروتينات والنشويات والفيتامينات، كما يتم الاهتمام بجسد العروس من الناحية الجمالية، ويتم رش جسدها بماء الورد والعطور والدخون.

ومن العادات حديثة العهد على الزواج، أن يتقدم الشاب لخطبة الفتاة ويتم تنظيم حفلة خطبة، تتكلف عشرات آلاف الدراهم وربما أكثر، وفيها يقدم المعرس إلى العروس طقماً من الذهب تعادل قيمته أكثر من 25 ألف درهم، وسط أجواء الفرحة والبهجة.

4 سنوات

بعد ذلك يتم تحديد مهلة للخطبة، تستمر بين شهرين وربما تمتد إلى ثلاث أو أربع سنوات، وهي مختلفة كلياً عما كان الماضي التي كانت لا تتعدى شهرين، حيث إن دخول المرأة ميدان العمل إلى جانب إكمال مشوارها التعليمي، أدى إلى تأخر سن الزواج، مضيفة إن زيادة مهلة الخطبة قد تعود إلى رغبة وطلب الأهل للاطمئنان على مستقبل ابنتهم في إنهاء دراستها، لحمايتها مستقبلاً من مخاطر الحياة باعتبار العلم سلاحاً في يدها. أما العادات والتقاليد الدارجة قديماً؛ الاهتمام بالحناء، ففي الماضي كانت العروس تغمس يديها وقدميها كل يوم لتبدو جميلة في عرسها. وتتم الحناء عن طريق استخدام أحلى وأرقى النقشات، حتى أصبحت بعض الدول العربية تقلد بنات الإمارات في الأعراس، عن طريق «نقش الحنة».

أسبوع الأفراح

وأوضحت المزروعي أن الأفراح كانت تتواصل مدة أسبوع قبل يوم الزفاف، حيث تبدأ الفرق الشعبية في أداء عروضها، علاوة على مشاركة جميع نساء «الفريج» من الأهل والجيران في إعداد وجبات الطعام من الذبح وإعداد اللحوم والأكلات الشعبية مثل: «المكبوس والبلاليط وحتى البرياني»، والحلويات مثل «العصيدة والقرص».

وفي ليلة العرس، تتجمع نساء العائلة وصديقات العروس والجارات، ليشاركن العروس فرحتها بالرقص والغناء، إلى جانب توزيع الهدايا التي أحضرها المعرس لأهل العروس. وتروي المزروعي أنه في الماضي كان يتم تخصيص سيدة لتجهّز العروس يوم زفافها، فتتولى نقشها بالحناء، إلى جانب الاهتمام بها ونظافة شعرها، وترش عليه الصندل ليدوم جميل الرائحة، كما تعطر بأجمل العطور والدخون، وبعد الانتهاء من العرس، يذهب أهل المعرس وأهل العروس، لزيارة العروسين حاملين معهم بعض أصناف الطعام، وفي الأثناء يقدم المعرس هدية لعروسه؛ كلٌ حسب مقدرته.

وفي الطرف الموازي، أشارت أم أحمد إلى أن المعرس اليوم يتقرب إلى عروسه بالهدايا النفيسة والمقتنيات الثمينة، مثل الساعات والمجوهرات، إلى جانب تبادل الزيارات، وذلك ليتعرف المعرس على عروسه بشكل أقرب وليتقربا من بعضهما أكثر.

مراكز التسوق

وأكدت حمدة المزروعي أنه خلال فترة الخطبة، تبدأ مرحلة الإعداد للعرس، حيث تتوجه العروس برفقة أمها وصديقاتها إلى مختلف المتاجر ومراكز التسوق محلياً وخارجياً، لتتسوق وتشتري كل ما يلزمها من العطور وأدوات الزينة واحتياجات البيت، وتزيد فترة تجهيز العروس حسب احتياجاتها ورغباتها، وهي تتراوح بين شهرين وستة أشهر على الأكثر.

وعن المهور في الوقت الحالي، أكدت الوالدة المزروعي أنها شهدت ارتفاعاً غير مبرر، حيث إن أهل العروس يتطلبون مبالغ خيالية، مما يشكل عبئاً على الشاب يدفعه إلى الاقتراض حتى يستطيع دفع مهر عروسه. ولعل قانون تحديد المهور لغاية 50 ألف درهم، حمى الشباب من غلاء المهور التي يواجهونها.

الأطفال الخدم

عن دور الأطفال في الأعراس قالت أم أحمد: في الماضي لم يكن هناك خدم يقومون على خدمة الضيوف والأهل والأقارب في الأعراس، إنما يؤدي الأطفال واجبات الضيافة من الألف إلى الياء، ولذلك آداب وقواعد وأصول لابد للأطفال أن يتحلوا بها، وهي إفشاء السلام والبدء بكبار السن أو الأعلى مكانة ومنزلة اجتماعية. وأشارت إلى أن صاحب البيت يستقبل ضيوفه في «الفريج»، ويحرص على تقديم الطعام والشراب لهم عن طريق ما تسمى «الفوالة»، والقهوة العربية بأصول تقديم متوارثة، وإذا اعتذر الضيف عن تناول الطعام يُقدم له التمر أو الحلوى مع القهوة، أما في الوقت الحالي فيقوم الخدم بواجب الضيافة أمام الضيوف و«المعازيم» بشكل مباشر.

4 بنات

قالت حمدة المزروعي إن لديها 4 بنات، وقد ساهمت في تقديم المساعدة إلى أزواجهن لإتمام متطلبات الزواج، التي لم تبالغ فيها أصلاً كما تفعل غالبية الأسر اقتداءً بسنة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بتزويج من ترضون دينه وخلقه، وفي ذلك دلالة على أهمية حسن الخلق وتقديمه على المال وغلاء المهور في عالمنا الحالي.

نصيحة

وجهت حمدة المزروعي نصيحة إلى أولياء الأمور، مطالبة إياهم بتخفيض نفقات العرس على الشباب المقبلين على الزواج، لتشجيعهم على الزواج وتكوين أسر مستقرة، تكون لبنة قوية وصالحة، إضافة إلى عدم المبالغة في الحفلات والولائم والأعراس.

وقالت: للأسف نجد أن بعض الأهالي هذه الأيام يعوّضون عدم المبالغة في المهر، عن طريق متطلبات أخرى يفرضونها على المعرس، بزيادة نفقات العرس من الذهب والإكسسوارات والمستلزمات الأخرى.

بريستيج

ربع مليون درهم تكلفة حفل الزفاف

هذه الأيام، ونظراً لطبيعة حفلات الزواج المختلفة في متطلباتها، تجد إدارات القاعات وصالات الأفراح تتسابق في توفير عروض متنوعة وفعاليات مختلفة، لجذب المقبلين على الزواج واستضافة أفراحهم، ولا تخلو الأجواء من غلاء الأسعار من جهة والبذخ الزائد في الطرف الآخر، كما تقول المزروعي.

ولفتت إلى أن الفتيات كما الشباب، يتسابقن ويتباهين في الاستعراض أمام الآخرين عن مجريات حفلاتهن، وفي أي قاعة أقمنها، وكم تكلفت، ومَنْ من المطربين حضر.

هذه الرتوش كما توضح الوالدة حمدة المزروعي تجعل الشاب أو المعرس يتكبد أكثر من ربع مليون درهم في ليلة واحدة، من منطلق أن الفتاة تعتبر عرسها هو مجرد ليلة في العمر، وأن الفستان الأبيض حلم كل فتاة تغزله منذ نعومة أظفارها.

ومن مظاهر البذخ في الأعراس كما تضيف الوالدة، فستان العروس، إذ تتسابق الفتيات المقبلات على الزواج للظفر بتصاميم فساتين الأعراس، وأي مصمم سيصمم لها، وتلك مظاهر أخرى للبذخ والإسراف.

نقوش

الحناء التقليد الباقي من الماضي

تروي الوالدة حمدة أنه في الوقت الحالي لا غنى عن نقوش الحناء العربية، التي لا تزال تتزين بها الفتيات في الحفلات والمناسبات السعيدة والأعراس خاصة، وتختلف هذا النقوش حسب البيئة، وفي الماضي كانت الحناء تستخدم في تزيين الشعر والجسم بالنقش، وهي تعتبر مصدراً رئيسياً للعلاج. وحالياً تُستخدم الحناء بأشكال وتصاميم «التاتو» التي جذبت الفتيات والمقبلات على الزواج، وللحناء فوائد صحية ولا يوجد لها أي أضرار، لأنها مستخرجة من نبات طبيعي. وللحناء أشكال كثيرة بعضها ينتقى من الطبيعية كالورود والفراشات وأغصان الشجر.

Email