تغلب على متلازمة داون بطاقة مستمدة من والدته

طارق السراج يقتلع إعاقته ويزرع شتلة

طارق السراج

ت + ت - الحجم الطبيعي

وراء كل ابنٍ ناجحٍ، واثقٍ، حالمٍ، أمٌّ عظيمة، لها قلب لا يهدأ عن النبض بالحب والحنان، وحضن لا تغادره حرارة الأمومة، ويقين بأهمية وجودها في حياته، وإيمان قوي بقدراته ومهاراته، بعد إحاطته بهالة من الرعاية والاهتمام، بصرف النظر إن كان ذلك الابن سليماً معافىً، أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، فالأمر سيان، لأن كليهما يحتاج الى هذه «الخلطة» لتذليل العقبات والتحديات التي تواجهه طوال حياته، والظفر بما يصبو إليه.

ولأن والدته كانت بهذه «المواصفات القياسية»، تمكن طارق السراج عضو جمعية متلازمة داون، من أن يطيح بإعاقته منذ الجولات الاولى في حلبة الصراع معها، وأن يتفادى خسائرها وتداعياتها، مستمدا طاقته، وشجاعته، وصموده من أهله، لاسيما أمه التي وقفت تسانده، وتحتويه، منذ أن رأى النور في حياته قبل نحو 23 عاما، وتمكن طوال تلك السنين من كتابة قصة نجاح جديدة تضاف إلى سلسلة قصص تحدي الاعاقة، والتميز، والابداع.

عاما بعد عام، يكبر طارق، وتكبر معه الطموحات، والأحلام، والأمنيات، ويزيد رصيد أهدافه، وإنجازاته، «بالرغم من رهان الكثيرين من المحيطين به على فشله، واستسلامه، والإذعان لإعاقته»، لكن هيهات هيهات أن تنكسر حربته، أو تُلوى ذراعه، أو يسقط في وحل اليأس والعزلة، طالما أن ظهره محمي من أسرته التي تحارب معه بكل ما أوتيت من قوة، وإصرار على الانتصار، وتمده بذخيرة حية من المحبة والحنان والاحتواء.

قصة نجاح

وباستعراض سريع لعناوين قصة نجاح طارق نجدها متعددة، وشاملة، فهو سباح ماهر منذ أن كان عمره سبعة أعوام، ودرّاج، ورسام، وهداف كرة سلة، و«سفير إنساني»، ولاعب كرة بوتشي، ونجار، ومزارع، وهو الآن موظف رسمي في شركة مشتل الصحراء.

أما قصة حياته، وتفصيلاتها، فتحدثت عنها والدته قائلة: «هو آخر زهراتي الثلاث، بقدومه بدأت رسالتي في الحياة، ومعه عرفت التحدي، قالوا لي مستحيل ومحال، وقلت لهم بل سيكون له شأن... نظروا إلي نظرة الإشفاق، ونظرت إلى طارق نظرة الحب والإكبار.. همسوا أنني أضيع الوقت وأهدر المال، فبرهنت لهم اليوم بفضل الله أنني بنيت إنساناً».

خطوة بخطوة

وتضيف: «أحببته كما تحب كل أم ابنها، ورسمت وجميع أفراد عائلتنا الصغيرة دائرة وجعلناه مركزها، وبدأنا معه خطوة خطوة، وكان كل إنجاز له انتصارا رائعا لنا، مع أني لا أنكر أنني تعرضت لبعض التصرفات والتعليقات الجارحة، بعضها من أناس طيبين جاهلين بطبيعة هؤلاء الأطفال الرائعين».

وعن هواياته تقول: «تعلم السباحة وهو في السابعة من عمره، ثم قيادة الدراجة الهوائية، وهو هاوٍ للرسم الزيتي، إذ رسم بعد التعلم العديد من اللوحات، وشارك في مسابقة الشيخة لطيفة لإبداعات الطفولة في موسمها الخامس، وفاز بمركز متقدم على مستوى الدولة الإمارات، ثم بدأ يتعلم رياضة كرة السلة وكان هدافاً رائعاً بشهادة الجميع وشارك في بطولات مختلفة في الإمارات وسوريا.

كما شارك طارق برحلات خارج الإمارات مع أصدقائه إلى مصر وإلى السويد واليونان ضمن فريق - سفراء إنسانيون في عاصمة النور باريس - في الرحلة التي قاموا بها في يونيو 2008، وعندما بلغ الرابعة عشرة من عمره، كان قد التزم بنادي دبي للمعاقين، وبدأ يلعب بفريق البوتشي بطريقة احترافية، كما انتسب لجمعية الإمارات لمتلازمة داون، وأصبح عضواً فعالاً فيها»

وفي مركز راشد انتقل طارق من قسم التدريب إلى قسم التأهيل المهني (قسم النجارة)، ليتعلم مهاراتها المختلفة، وحينها بدأت ميوله نحو العمل الزراعي والحدائق تتكشف، ما دفع الاسرة لتخصيص مساحة له في حديقة المنزل، قبل أن توفر له بذوراً وشتلات ليمارس هذه الهواية التي مكنته في نهاية المطاف من الظفر بوظيفة في شركة مشتل الصحراء التي يعمل فيها بجد ونشاط، معتمداً على نفسه بشكل كامل.

Email