تحتضن ملتقى نادي تراث الإمارات

«جزيرة السمالية».. مدرسة الهوية الوطنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في جزيرة «السمالية» بأبوظبي، بعيداً عن صخب المدينة، عاش أبناؤنا الطلبة أجواء مفعمة بالمرح والتشويق، تتدفق فيها مشاعر الحنين إلى الماضي، في مدرسة تعزيز الأبناء الهوية الوطنية، التي تنظم سلسلة من الفعاليات التراثية أبرزها تعلم الفروسية والرماية، وفن اليولة، والتجديف بالسفن الشراعية القديمة، والصيد بالصقور، ومحاكاة البيئة البحرية والجبلية وحياة أهل البادية، بجميع ما تحوي من تفاصيل تفوح بعبق التاريخ الإماراتي وتراثه الأصيل، نظمها نادي تراث الإمارات ضمن ملتقى السمالية الصيفية 2014 تحت شعار «شكراً خليفة رمز هويتنا»، برعاية سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، رئيس نادي تراث الإمارات.

جزيرة السمالية التابعة لنادي تراث الإمارات، وجهة تراثية مثالية، كونها تضم القرية التراثية والكثير من المرافق القديمة تتيح للزوار خيارات متنوعة، إذ تقع الجزيرة على بعد نحو 12 كيلو متراً شمال شرق أبوظبي، وتحتضن طوال العام الكثير من الفعاليات التراثية، وفور ما تطأ قدم الزائر أرض الجزيرة، يدرك أن الزمن عاد به إلى الوراء، في رحلة استثنائية إلى الماضي كفيلة بعرض الحياة التقليدية في الإمارات قديماً، تسرد ذكريات في ثناياها تفاصيل عن الأمس لأبناء اليوم.

الموروث الشعبي

سعيد المناعي مدير إدارة الأنشطة في نادي تراث الإمارات، قال إن الملتقى يعزز أهمية التراث في نفوس أبنائنا الطلبة، ويؤكد لهم أهمية الموروث الشعبي، بصفته جزءاً مهماً من الهوية الوطنية، انسجاماً مع مبادرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، عندما أعلن أن عام 2008 عاماً للهوية الوطنية، بما يحفظ للوطن وجوده وللمواطن هويته وللمجتمع تماسكه، لاسيما وأن سموه دعا إلى وضع البرامج لمواجهة آثار العولمة السلبية، مؤكداً أن الملتقى ينسجم مع هذه المبادرة.

وأضاف إن الملتقى ركز على تنظيم برامج تراثية ترمز إلى البيئة البحرية والبيئة الصحراوية والجبلية، إذ استهل الملتقى خلال الأسبوع الأول من مرحلة التطبيق، تعريف الطلبة على أنشطة وتراث أهل البحر والساحل، أبرزها طريقة «فلق» المحار قديماً وتجديف السفن الشراعية القديمة التي أدرك من خلالها الأبناء حجم المشقة التي كابدها أجدادنا في الماضي من أجل التنقل والسفر وتأمين لقمة العيش من البحر، إذ أبحر الطلبة عبر المراكب الشراعية ضمن جولة بحرية بالقرب من الجزيرة كما تم خياطة شراع خاص بعلم الإمارات تعزيزاً للولاء والانتماء تجاه الوطن في روح الأبناء.

ركوب الخيل

وأشار إلى أن الطلبة تعرفوا على أهم المعلومات الأساسية للفروسية وركوب الخيل، ثم طبقوا ما تعلموه على أرض الواقع عبر ركوب الخيول العربية الأصيلة. كذلك استكمل الطلبة المنتسبون برنامجهم في الأسبوع الثاني للملتقى، عبر الانتقال إلى بيئة أخرى، وتعرفوا على أهم العناصر التي تتميز فيهما البيئة البدوية والجبلية من حيث طريقة الحياة والبيوت التي يسكنها أهل البادية قديماً، مثل بيوت الشعر التي تحمي سكانها من البرد شتاءً، وهو عبارة عن مسكن البدو مصنوع من صوف الخراف، وهو الملجأ الذي يرتاح فيه من عناء حياته القاسية.

وأوضح المناعي أن البرنامج لا يقتصر على التعريف بالأدوات والمكان وحسب، وإنما حرص النادي عبر الأنشطة على تعليم الطلبة «السنع» والعادات والتقاليد القديمة، ليطبقوها في حياتهم الخاصة، مثل طريقة استقبال الناس وأبرز الخطوات الواجب اتباعها عند استقبال الضيوف وآداب المجالس وحثهم على احترام المسنين، وإعداد وتجهيز القهوة العربية، واحترام الوالدين، وكيفية ارتداء الزي الوطني، والتي يتميز بها المجتمع الإماراتي منذ زمن بعيد، مشدداً على أن الملتقى يحاول قدر المستطاع تعزيز السلوكيات الجيدة وتوعية الأبناء في هذا المجال بما يخدم حياتهم الاجتماعية والعملية في المستقبل.

«اللقيا» و«الرواح»

وذكر المناعي أن أعضاء جمعية الشحوح للتراث الوطني، شاركوا ضمن فعاليات الملتقى بلوحة استعراضية في غاية الجمال، عن ممارسة أحد الطقوس المهمة المتداولة بين سكان البيئة الجبلية عموماً وقبائل الشحوح على وجه الخصوص، وهي عبارة عن فن يطلق عليه «اللقيا» الذي يمارسه الأهالي عند التقاء أهل العريس والعروس، بالوقوف صفين متقابلين والتقدم مشياً على الأقدام، وترديد بعض القصائد والشلات الحربية المعبرة عن الفرحة بالمناسبة. وقدم أعضاء الجمعية فن الطبل وفن «الرواح» الذي يتمثل في قرع مجموعة من الرجال بقرع الطبول التقليدية الكبيرة، وقد تعرف الطلبة أيضاً على فن السيف.

ولفت إلى أن الطلبة تعرفوا على مجالات الاستفادة من الجمال والمواشي الأخرى في الماضي بصفتها وسيلة للتنقل والترحال من مكان إلى آخر، فضلاً عن أهمية الحليب الذي يستخرج منها للغذاء. كذلك تعرف الطلبة على طرق البيع والشراء في الماضي، التي كانت تعتمد على المقايضة بين أهل البادية وأهل الساحل، من خلال تبادل الفحم «الصخام» والحطب مع الأسماك المجففة «المالح»، وغيرها من السلع المتبادلة بين الطرفين.

الألعاب الشعبية

وأضاف إنهم حرصوا خلال الأسبوع الثالث للملتقى على إعداد برنامج ترفيهي للطلبة استعداداً للعام الدراسي الجديد، لكن لم نبتعد في الوقت نفسه عن الموروث الشعبي الإماراتي، إذ مارس الطلبة بعض الألعاب الشعبية القديمة، مثل ألعاب البنين وهي «التبة» و«الطرة» و«الكرابي» و«قبة مسطاع» و«الهول» و«الميت» و«اليواني» و«الرنج» و«شد الحبل» و«الشبير» و«الترتور»، فضلاً عن ألعاب البنات مثل «خوصة بوصة» و«الجحيف» و«أم العيال» و«الصقلة» و«حلقة بنت الشيخ» و«الثعلب فات فات» و«كرابي البنات» و«المريحانة». كذلك خضع الطلبة لبرامج توعية تركز على تفادي الأخطار المتوقعة في البحر خلال السباحة الشاطئية، إلى جانب سلسلة أخرى من برامج التوعية.

واستشف المناعي خلال السنوات الماضية، أن الطلبة لديهم ميول حقيقية نحو الفعاليات والبرامج التراثية والشعبية، ومن هذا المنطلق سعى النادي إلى استثمار إجازة الطلبة لهذا العام عبر تكثيف البرامج وتنويعها على نطاق أوسع من السنوات السابقة، ويبدو أن الرماية والفروسية والتجديف بواسطة السفن الشراعية وتعلم أبجديات «القنص» وغيرها من الأنشطة، نجحت في توثيق العلاقة بين الطلبة وتراث وطنهم، وأبدى جميع المشاركون فرحهم واستعدادهم للالتحاق بجميع الملتقيات والبرامج التراثية المقبلة لاسيما التطبيقية كونها تلامس رغباتهم المتمثلة في تعلم تراث الأجداد.

قرية تراثية

جزيرة السمالية تضم قرية تراثية تشمل «العريش» و«البرجيل» و«الحظيرة» و«بيت الشعر» وفيها المجالس المفتوحة والمقاهي الشعبية ومن خلال وجود المشاركين في القرية التراثية يتعلم أبناؤنا أهم السلوكيات التي تميز بها المجتمع الإماراتي منذ القدم، بما يساهم في تصحيح الكثير من السلوكيات الخاطئة لدى الطلبة، إذ يحاول المدربون قدر المستطاع نقل هذه المُثل إلى الجيل الجديد عبر ورش خاصة بها لمواجهة العادات والتقاليد الدخيلة على المجتمع الإماراتي والتي تساعد النشء في تنشئتهم على الفضائل التي تميز الشخصية الإماراتية عن غيرها.

Email