واجه «متلازمة داون» بالدراسة والكاميرا والفروسية والريشة

محمود عمر... يهزم الإعاقة بالطاقة الإيجابية

محمود عمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تنبت في الإنسان بذور الصبر، والرضا بعطاء الله وقدره، والأمل بغدٍ افضل، بالتأكيد لن ينال منه أي مكروه شيئاً، ولن يزعزع عزيمته، وسيمارس حياته بشكل طبيعي، ماضياً نحو أهدافه وطموحاته بثقة المؤمن بقدراته ومصيره.

صحيح ان الإعاقة لها تداعيات ونتائج ثقيلة على صاحبها، وربما تجبره على إعادة ترتيب أوراقه، وأولوياته، وخططه، إلا أنها لن تكسر أو تعيق إرادته، ولن تقتل الحلم الذي يلازمه، ولن تخطفه من المجتمع، أو تأسره في سجون العزلة والانطواء واليأس، أو تجبره على رفع الراية في وجه العجز.

فما بين الإعاقة الجسمية، والإعاقة النفسية، مسافة يتحكم بطولها الشخص المعاق، استناداً إلى مقدار ما يتسلح به من الصبر، والتحدي، والطاقة الإيجابية، والقدرة على الصمود والمواجهة في ساحة الصراع مع تلك الإعاقة وسلبياتها، ومحمود عمر ابن الخامسة عشر عاماً نجح في تطويل تلك المسافة، وبنى سوراً ضيقاً حول إعاقته بمتلازمة داون، ولم يسمح لها بالتأثير على مواهبه، وأحلامه، ومدى حبه للحياة، والاندماج فيها، حتى غدا شخصاً عادياً متعدد المواهب، بفضل ما يتمتع به من هوايات وإنجازات ونجاحات.

دور الأهل

وبالتدقيق بين سطور قصة محمود مع «المتلازمة» نجد ان كلمة «الأهل» حاضرة في كل الجمل والعناوين، على اعتبار أن أسرته مارست دوراً كبيراً في انقاذ حياته من براثن الإعاقة، وتحملت في سبله الكثير من العناء، ولازمته ورعته صحياً واجتماعياً، وتعليمياً، من دون ان تقنط، او تستسلم، فعاش في حضن عائلة دافئ بالحب، والتقدير، والاهتمام، ومضى في رحلة علاجه، وتأهيله، وتدريبه، واستطاع بفضل الله، ثم بإصراره والتفافه على اعاقته، ان يندمج مع زملائه في الفصول المدرسية، وهو الآن في الصف السابع.

متابعة الحالة

حينما ولد محمود ومعه المتلازمة، كان وضعه الصحي صعباً للغاية، وكان لديه ارتخاء في العضلات، ومشاكل في الرضاعة، نتج عنها التهابات صدرية متكررة، ادخل على أثرها للمستشفى، وخضع لجلسات علاج طبيعي، وعاش على التنفس الاصطناعي في غرفة العناية المركزة لما كان عمره 3 شهور، لكن اسرته لم تفقد الأمل بالله، ولم يضعف ايمانها بأهمية متابعة العلاج، وبقيت كذلك الى ان وصل عمره الأربعين يوماً، حيث نقلته الى مراكز التدخل المبكر والتأهيل، بالتنسيق والتشاور مع الأطباء، وخضع لرعاية طبية ووظيفية، وجرت متابعة حالته في البيت بعد ان دمجت اسرته في برامج ارشادية تساعدها على متابعته بشكل آمن ونافع.

ولأن اسرة محمود اصرت على متابعة علاجه، ودمجه في المجتمع من دون خجل او حرج، نقلته الى مركز راشد لعلاج ورعاية الطفولة، وبقي هناك مدة سنتين، وحصل على تقرير نفسي يوصي بتسجيله في المدارس النظامية، وهو ما تم بالفعل، حيث ألحق محمود بإحدى المدارس، كأول طالب من ذوي متلازمة داون في ذاك الوقت، بعد ان وفرت له اسرته معلماً خاصاً، وهو الآن في السابع كما اشرنا سابقاً.

مواهب عديدة

وكنتيجة للرعاية والاهتمام بوضع محمود الصحي، وعلاجه الوظيفي والطبيعي، برزت لديه مواهب عديدة، عملت اسرته ومدرسته على تنميتها، وهو شغوف بها الآن، لا سيما التصوير والرسم، والسباحة، والفروسية، وكرة القدم، وصارت لديه قاعدة كبيرة من الأصدقاء الذين تعرف اليهم اثناء ممارسة هذه الألعاب والهوايات في الميدان، وتمكن من احراز مراكز متقدمة، وفاز بميداليات محلية في لعبة كرة البوتشي التي يشارك في تدريبها بشكل دوري بتنظيم من جمعية متلازمة داون، وهي رياضة تتطلب مهارة وتفكيراً استراتيجياً.

ولم ينحصر تميزه في الجانب الرياضي، واللياقة البدنية، والتصوير والرسم، بل سجل حضوراً بارزاً على صعيد القدرات العقلية والمهارات التقنية، فهو يتقن استخدام الحاسب، والنفاذ إلى الشبكة العنكبوتية، اضافة الى انه حافظ لبعض الآيات القرآنية، والأناشيد الوطنية والدينية، بجانب تميزه الاجتماعي الذي اسهم بشكل كبير في سرعة اندماجه في المجتمع، ومشاركته فعالياته وأنشطته، وبصماته في ذلك بارزة، وشهادات التقدير والجوائز التشجيعية المادية والمعنوية التي ظفرها شاهد على ذلك.

Email