أنشأ قرية محمد بن راشد للتراث

سعيد الظهوري.. حارس «البوابة التراثية»

ت + ت - الحجم الطبيعي

في إمارة رأس الخيمة، وتحديداً في وادي قرية شعم، يحرص المواطن سعيد الظهوري على تعليم الجيل الصاعد بصفته أحد المهتمين بالتراث وحارس البوابة التراثية حسب ما أطلق عليه البعض في المنطقة، أهم التفاصيل عن تراث أجدادنا في قريته التي تعد بمثابة متحف، أطلق عليها قرية محمد بن راشد للتراث، امتناناً وعرفاناً لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله.

تضم القرية الكثير من البيوت القديمة والأدوات التي يستخدمها الإنسان الجبلي قديماً، كما يستخدم خبرته الطويلة لتعليم الجيل الصاعد من الشباب والأطفال، أهم العادات والتقاليد والممارسات المتوارث عليها منذ الماضي، مثل عملية زرع القمح أو الدقيق، وإعداده باستخدام الأدوات القديمة، وتنظيم الرحلات حيناً بمشاركة الشباب الصغار، لتعليمهم كيفية الاعتماد على النفس وقوة التحمل عبر تسلق الجبال، وكسر رأس «الذبيحة» وفقاً لعادات الأجداد أثناء تناول مأدبة الطعام، وخلافها من قيم الأخلاق والرجولة.

بيوت قديمة

كرس الظهوري جهده لتحويل المزرعة الخاصة به إلى قرية تراثية منذ عام 1995، ولا يزال «يُعتق» أركانها إلى الغد، سعياً لتكون القرية مكاناً متكاملاً كونها تضم الكثير من الماضي مثل الأدوات والأواني يعود تاريخ بعضها إلى 300 عام، كما تستقطب القرية الكثير من المدارس وبعض المؤسسات التعليمية الأخرى، وتحرص بعض الجهات على تنظيم رحلات إلى القرية للسياح والزوار، ومن جهته يزود زواره بالمعلومات عن تاريخ دولة الإمارات عموماً، والسكان في البيئة الجبلية على وجه الخصوص.

كما شرع الظهوري في بناء البيوت الجبلية القديمة، منها: «بيت القفل»، وهو أحد البيوت الجبلية القديمة، والتي كان يحتمي بها أجداده في الماضي.

وهو منزل شتوي مغلق من جميع الجهات يصعب دخوله، صُمم وفق نظام يضمن أمن وسلامة سكان البيت من اللصوص، فضلاً عن كونه ملاذاً للهروب من برد الشتاء، إذ يتكون هذا المنزل من الصخور الضخمة ويعلوه سقف من جذوع شجرة «السدرة»، وبابه سميك مصنوع من الأخشاب الصلبة صعب الكسر، كما يصعب فتحه إلا من صاحبه نتيجة تصميم قفله على قياسات محددة، ويحتوي هذا الباب على أقفال أخرى من الداخل تمنع الدخلاء من اختراق الباب.

إلى جانب «بيت القفل»، أشار الظهوري إلى منزل جبلي آخر يطلق عليه «بيت الصفة»، ويسمى بهذا الاسم نسبة لطريقة بنائه المتمثلة بصف الحجر طبقات دون الاستعانة بأية مواد داخلية، لها فتحات جانبية على الأطراف تسمح بمرور نسمات الهواء الباردة، ومسقوفة من الأعلى بجذوع السدر أو الطين أو الخوص، أو «العسبق» وهو نوع من أنواع النباتات ينمو على سفوح الجبال، لكن في المجمل تتميز جميع البيوت الجبلية بالقوة ينعم سكانها بالاستقلالية، تتكيف مع الجو الحار في الصيف حيث تتصف الحجارة المستخدمة في بنائه بأنها عازلة للحرارة، لها القدرة على مواجهة الأخطار أو الاحتماء من الحيوانات المفترسة واللصوص، وكانت هذه المنازل كالحصن المنيع أمام الأخطار الخارجية.

المطبخ و«التنور»

لعل المطبخ القديم، والمرافق القريبة منه، تعبر عن مدى حرص الظهوري على شمولية القرية جميع التفاصيل الدقيقة التي توحي للزوار بإطار العيش في الماضي، والمطبخ البسيط بما يضم من أدوات، كان شاهداً على ذلك، وبجانبه صنع الظهوري فوهة من الطين «التنور»، تستخدم لإعداد الخبز بعد طحنه، وعجنه على صخرة ملساء مثبتة على الأرض عوضاً عن الأطباق المستخدمة اليوم.

وحرص الظهوري على زراعة القمح أو البر «الحب» منذ نحو 20 عاماً وأكثر، إذ خصص ضمن مساحة القرية التراثية جزءا كبيرا منها لزراعة القمح خلال فصل الشتاء، الذي يبدأ موسمه في شهري أكتوبر ونوفمبر، ويمتد حتى منتصف شهر مارس، ويشاركه عملية إعداد القمح أو الطحين أبناؤه، ابتداءً من حصاد المحصول وقطف سنابل القمح، يطحن القمح في أداة يطلق عليها «الرحى»، والتي عادةً ما تُوضع في غرفة مغلقة، تضم حجري الرحى الموضوعين فوق بعض كي يسهل تحريكهما وطحن الحبوب بسهولة.

كذلك يحفظ القمح في غرفة صغيرة من الطين يطلق عليها «الينوز» بعيداً عن مياه الأمطار، حتى ينشف تماماً ويصبح قابلا للاستخدام في ما بعد. وأنشأ الظهوري في وسط القرية التراثية قناة مائية «الفلج»، تصب مياهها في حوض تشرب منه الأغنام، ويعد أيضاً هذا الحوض مصفاة قبل أن تنتقل المياه إلى المحطة الأخيرة «البركة»، مغطاة بالقليل من أغصان الأشجار الصغيرة، ويبدو أن مياه البركة صالحة لاستخدامات عدة أبرزها لشرب السكان، واستخدامها في إعداد الطعام، وتزويد المواشي بالمياه عبر نقلها إلى الحظيرة الخاصة بالأغنام «الزرب».

عملات قديمة

خصص الظهوري زاوية صغيرة في القرية لعرض بعض العملات القديمة، كانت تستخدم في الماضي، ولها العديد من الأسماء، مثل «برغش». وقد نجح الظهوري في تصميم أكبر «جرز» في العالم من حيث الارتفاع والعرض، إذ يبلغ ارتفاعه نحو ثلاثة أمتار.

ويصنع الجرز من أشجار السدر و«الميز»، تثبت أسفل العصا قطعة نحاسية، ويشتهر الجرز عند سكان الجبال وتحديداً في إمارة رأس الخيمة من قبائل الشحوح والحبوس والظهوريين.

صالة الشهيد

عكف الظهوري على إنشاء الكثير من الاستراحات القديمة ضمن القرية التراثية، ويعمل حالياً على إعداد صالة لاستقبال الضيوف في قريته التراثية تحمل اسم شهيد الملازم أول طارق الشحي تخليداً لذكرى شهيد الوطن، والذي يعد من أصدقائه المقربين.

أما الاستراحات الأخرى في القرية التراثية، فهي متعددة، بعضها تنتمي إلى البيئة الجبلية وبعضها الآخر تنتمي إلى البيئة البدوية، أبرزها «الدكة» وهي عبارة عن مكان مخصص للجلوس يرتفع عن الأرض بمتر، كي لا تصل الزواحف أو الحشرات إلى الجالسين في الأعلى خلال التسامر مساءً أو النوم، إذ يتخذها البعض مكاناً للنوم.

Email