مثقفون يستخلصون العبر من تجربة قائد حكيم

محاضرة محمد بن راشد »روح الاتحاد« على بساط القراءة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

جاءت محاضرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي التي ألقاها تحت عنوان ( روح الاتحاد) في الذكرى الأربعين لقيام اتحاد الإمارات لتكسر احتكار المعلومة من قبل النخبة ولتضعها بين أيدي الجمهور العريض ولا سيما الشباب، الذين شكلوا السواد الأعظم ممن أصغوا مباشرة أو عبر المحطات التلفزيونية بانتباه بالغ لكل كلمة قالها سموه في تلك المناسبة العزيزة على قلوب الجميع، رأي أجمع عليه المستشار إبراهيم بو ملحة والأديب عبد الغفار حسين والباحث بلال البدور والمستشار جمال بن حويرب في ندوة احتضنها مجلس جمال بن حويرب بدبي مساء أمس وحضرها عدد من المثقفين والمسؤولين والمهتمين، وناقشت الملامح الرئيسية والدروس المستقاة من محاضرة سموه والانطباعات التي خرج بها كل من المشاركين في الندوة.

 

أحد أهم الملامح أو الاستنتاجات التي خرجت بها الندوة حيال محاضرة سموه يكمن في أن التاريخ وكتابته وقراءته ليس حكرا على القوى التي استعمرت المنطقة عبر التاريخ على اختلاف أنواعها، ما دفع المشاركين في الندوة إلى دعوة شيوخ البلاد وحكامها إلى الإدلاء بدلوهم في هذا الميدان الحيوي والكتابة عن أنفسهم إسوة بما بادر إليه صاحب السمو الشيخ محمد في هذه المحاضرة، وذلك استثمارا لمواقعهم في مراكز صناعة القرار وقربهم من الأحداث التي شهدتها منطقة الخليج في تاريخها المعاصر، حيث كشف صاحب السمو عن خطأ محوري في تدوين أحد أهم تلك الأحداث متمثلا بالمكان الذي جرت فيه محادثات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم ،رحمهما الله، التي مهدت الطريق لتوقيع اتفاقية الاتحاد في منطقة السميح، فقد أكد صاحب السمو، الذي شارك في تلك المحادثات، أن المحادثات التمهيدية جرت في منطقة عرقوب السديرة بينما احتضنت السميح حفل توقيع الاتفاقية عينها.

 

معلومات وحقائق

أكد جمال بن حويرب، في مستهل الندوة، أن محاضرة صاحب السمو استثنائية بامتياز لما تضمنته من معلومات وحقائق وشهادات تاريخية وملاحظات قيمة تركت انطابعا إيجابيا لدى الجميع، لا سيما وأنها خرجت عن الأسلوب التقليدي المألوف ليس في طريقة الالقاء فحسب، حيث ترك الشيخ محمد الكرسي والطاولة المخصصين له لإلقاء المحاضرة جالسا وفضل أن يلقيها واقفا على قدميه متجولا بين الجمهور، وإنما في الجمع بين أمور شتى مثل التاريخ والأدب والشعر والحكمة والنصائح والحماس والدعوة إلى البناء ودعوة الشباب لاستكمال جهود من سبقوهم من الآباء والأجداد والسير على دربهم.

قبل أن يغوص عبد الغفار حسين في حيثيات محاضرة صاحب السمو، نوه إلى بداية موسم فعاليات مجلس بن حويرب في مستهل شهر يناير من العام الجديد 2012، وقال :( هي بداية مفرحة، لأنها تعيد علينا الذكرى السادسة لتولي الشيخ محمد بن راشد، الشخصية التي هي محور حديثنا هذا اليوم، زمام الحكم في دبي في يناير 2006، وكذلك قيادة الوزارة الاتحادية للإمارات، ونسأل الله أن تطول أيامه وتعمنا خيراته وبركاته).

 

صفات قيادية

وقال عبد الغفار حسين أن الحديث عن الصفات القيادية عند الشيخ محمد بن راشد، لا يمكن حصرها في حديث عابر مناسبي، لأن هذه الصفات ذات أبعاد لا تقف عند نقطة معينة أو نقاط معدودة، ولا يمكن أن يعبر عنها في حديث مختصر، لأن حديثا من هذا النوع لن يوفي الإنصاف حقه، ذلك أن الذين استمعوا إلى محاضرة الشيخ محمد بن راشد ، حفظه الله ، عن روح الاتحاد في عيد الاتحاد الأربعين، في ديسمبر الماضي، (عهدوا في حديثه ،كالعادة، عفوية محمد بن راشد والبعد عن التنميق اللفظي وزخارف الكلام، والتركيز بالدرجة الأولى على الحقائق، وهذه عادة الشيخ محمد بن راشد، وهذا ما يميزه كقائد يستطيع أن يخاطب الناس، الناس عموماً، بلغة يفهمونها، وبلغة لا تخطئ جوانب الحقيقة والواقعية، والذين قرؤوا كتاب الشيخ محمد بن راشد، "رؤيتي"، ويقرأون نظمه الشعري، والذين يجالسون محمد بن راشد عن قرب، يدركون مدى عفوية هذا القائد في التعبير اللغوي وفي التعامل مع الحياة اليومية التي يعيشها).

زايد وراشد

واسترجع عبد الغفار حسين بعض مضامين المحاضرة، التي وصفها بالقيمة، وكذلك الحديث الذي تخللها موضحا أن محمد بن راشد تحدث (عن الاتحاد، اتحاد الإمارات العربية المتحدة، من البداية، من الإرهاصات الأولى، السنوات الثلاث التي سبقت قيام الاتحاد. ثم تكوين الاتحاد، ثم عندما شب هذا الاتحاد عن الطوق. وكان الحديث مليئاً بمعلومات دلت على أن محمد بن راشد كان يغوص في غورها بقدرة فائقة على استنباط العبر).

كما أوضح عبد الغفار حسين أن الشيخ محمد بن راشد كان يتابع في حديثه مع الناس شريطاً دقيقاً من المعلومات التاريخية في ذهنه، وكان يتوقف عند محطات في هذا التاريخ ليسأل ويجيب عن التساؤل، كيف وقعت هذه الحادثة وما هو الدافع وراء هذا الموضوع؟ فكان في خطابه عن تاريخ قيام الدولة معلماً ومرشداً للشباب الذين هم في حاجة ماسة لاستيعاب دروس عن ماضيهم وماضي قياداتهم ومشاعر المودة التي كانت تجمع بينها ، ولا سيما عن (العلاقة بين قائدين كانا محورين أساسيين للاتحاد، زايد بن سلطان وراشد بن سعيد، رحمهما الله، وكيف كانا أكثر قرباً وأكثر مودة مما ظنّ بهما بعض مدوني التاريخ)، بالإضافة إلى علاقة محمد بن راشد الأسرية بالشيخ خليفة بن زايد، رئيس الدولة ،حفظه الله.

 

عفوية الأسلوب

المستشار بو ملحة استعرض بدوره مجموعة مما أسماه خواطر عن المحاضرة، التي تقاطعت في بعض جوانبها مع مداخلات المشاركين الآخرين في الندوة، لكن أكثر ما لفت انتباهه في محاضرة الشيخ محمد هو عفوية وتلقائية الأسلوب رغم موضوعها التاريخي، الذي عادة ما يكون فيه نوع من الجفاف، لكن أسلوب طرح الشيخ محمد تمكن من تبسيط الموضوع بطريقة أفاد منها الحضور ولا سيما الشباب منهم، ورأى بو ملحة أن هذه العفوية والتلقائية تكمن في بعد صاحب السمو عن السرد التاريخي، حيث بدأ بداية بدت وكأنها بعيدة عن الموضوع متحدثا عن إرادة وتصميم تحلى بهما جيل الرواد من الآباء والأجداد وكيف كانوا يتحلون بروح التحدي وقوة الصبر، وقال بو ملحة :( تساءلنا عن القصد من وراء ذلك)، ليتبين أن تلك البداية قد كانت بمثابة دعوة لأبناء الأجيال الحالية لأن يسيروا على درب الآباء والأجداد والتحلي بالصبر والتحدي والقدرة على تخطي ظروف الحياة وصعابها.

ومما لفت انتباه بو ملحة في المحاضرة هو تجول الشيخ محمد بين الحضور، حيث راح يخاطب مجموعة هنا وشخصا هناك، ما خلق جوّا من الألفة والحميمية شد المستمعين، لا سيما وأنه بدأ بقصيدة وأنشد أخرى في منتصف المحاضرة وأنهى بثالثة،

 

معلومات دقيقة

وخلص بو ملحة إلى أن كل ذلك يقود إلى نتيجة مفادها أن صاحب السمو رجل مسؤول يتحلى بصفات القيادة، وأنه نأى بنفسه عن المجاملة وحرص على ذكر المعلومات بدقة متناهية بما في ذلك أسماء بعض الأشخاص، ما يوحي بالجرأة والصدق والأمانة التاريخية، على الرغم من أن هذا الأسلوب غير معهود في تناول أحداث المنطقة، حيث جرت العادة على التعتيم على المعلومات المتعلقة فيها، وقال المستشار:( على الرغم من أننا كنا نتوقع أن تتمحور المحاضرة حول روح الاتحاد، إلا أن الشيخ محمد لم يترك مرحلة إلا وتحدث عنها منذ ما قبل قيام الاتحاد وحتى مرحلة ما بعد قيامه مرورا بلحظة قيامه،وأنه على الرغم من أن الكثير من المعلومات إما عاصرناها أو قرأناها.

 

ضوء أخضر

بلال البدور، قال من جانبه، إنه حاول النظر إلى المحاضرة من زاوية أخرى، آخذاً في الاعتبار أن الشيخ محمد كان قد طلب قبل أسبوع من إلقائها قائمة بكتاب التاريخ على مستوى الدولة، كما طلب كشوفا بالمثقفين، ولما جاء يوم المحاضرة ، كان من المتوقع أن يجلس الشيخ على كرسي ويلقي محاضرة تقليدية، لكن الذي حدث هو أن المحاضرة انطوت على تسلسل تاريخي باليوم والتاريخ، ما يعني أن الذاكرة تختزل الكثير من المعلومات وأعطت إشارة للكتاب والمؤرخين، مفادها أنه يتعين ألا تحفظ هذه المعلومات، وأنه عندما يتكلم قمة الهرم، فهذا يعني ضوءا أخضر للكشف عنها وتدوالها بين الناس، على غرار حديث صاحب السمو عن قوى اليسار الأيديولوجية، حيث بين كيفية التعامل الحضاري معهم، فلم يسم ولم يدن، ما يعكس رؤية الإمارات السياسية في التعامل مع القضايا الفكرية، ويدل في الوقت نفسه على أنه ثمة نوع من التعامل الهادئ والناضج الحضاري مع قضايا حساسة خلافا لما تم في قضية تسفيير مجموعة من الأشخاص إلى البحرين عام 1958 من قبل الانجليز .

 

الشباب والثورات

أما جمال بن حويرب، فقد استعرض بعض الملاحظات حول المحاضرة وقال:( نحن دُعينا مثل الكثير من المثقفين إلى المحاضرة، وعندما دخلت مع الشاعر سيف المري والشاعر سيف السعدي، صدمنا بالعدد الهائل للحضور من الشباب، ذلك أنه عدد غير معهود، ما يتزامن مع السنة التي شهدت الربيع العربي، وخاصة أن كل القائمين على هذه الثورات هم من الشباب، وصدمت أكثر عندما رأيت آلاف الشباب ينتظرون الشيخ محمد، فقلت لنفسي إن المودة التي يكنها شعب الإمارات لحكومته لا توصف ولا يمكن التعبير عنها، خاصة وأن الشباب كانوا من مستويات مختلفة، لكنهم جميعا متلهفون لحضور المحاضرة وسماع الشيخ، ما يعكس حالة من الترابط تجمع بين الأسرة الحاكمة والدولة بالشباب والمجتمع).

وأكد بن حويرب أن قدوم الشيخ محمد كان مبهرا، والتصفيق له لم يكن بالأيدي فقط، وإنما بقلوب الشباب المتلهف أيضا، وأضاف بن حويرب إن الشيخ قد تمكن من كسب قلوب وعقول الشباب من الكلمة الأولى التي مدحهم فيها، بينما عزز هذا الموقف عندما ترك الكرسي مخاطبا جمهور الشباب شعرا بقصيدة لخص فيها كل ما يريد أن يبثه فيهم من حماس وشعور بالمسؤولية والثقة بالنفس، ما غير مزاج الحضور. كما لفت الشاعر إلى أن التاريخ ليس ما يكتب وإنما ما يتم تمحيصه من قبل المؤرخين، داعيا إلى اتباع منهج علمي في قراءة التاريخ، مذكرا بالحلم الذي كان يراود الشيخ محمد وأصبح واقعا، وبأن أحد الضباط من دولة أخرى قال لصاحب السمو عام 1968 بينما كان الأخير واقفا يتأمل أحد المباني: هل لديكم مبنى مثل هذا، فرد عليه الشيخ بالنفي مردفا، لكننا سنبني أكبر منه، وهنا تجدر المقارنة بين ذلك المبنى وبرج خليفة بدبي.

الجينات ، التي تحمل الإرادة والعزيمة،كانت حاضرة في محاضرة الشيخ محمد، حيث يعرب بن حويرب عن إعجابه بتلك الكلمة لحظة كتابة تاريخ مجيد مثل تاريخ الإمارات ومنطقة الخليج، والأدوار الكبيرة التي ذكر بها الشيخ محمد التي لعبها الأجداد ولا سيما في مقارعة المستعمرين، قائلا:( أنتم أيها الشباب تحملون البصمة الجينية لأولئك الأجداد).

وحول المعلومات التي أوردها الشيخ محمد في محاضرته، قال بن حويرب إن الدقة هي السمة الأبرز لتلك المعلومات ولا سيما لجهة التحديد الدقيق للأمكنة التي جرت بها أحداث تاريخية مهمة مثل توقيع معاهدة الاتحاد لما تحمله تلك الأمكنة من رمزية عالية، موضحا أن الكثير من المعلومات معروفة، لكن الكثير منها تعتبر معلومات خاصة أيضا.

 

متحف

في نهاية الندوة، دعا المشاركون فيها إلى انشاء متحف تاريخي صغير في منطقة عرقوب السديرة تخليدا لمحادثات الشيخ زايد آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم ،رحمهما الله،التي مهدت لقيام اتحاد الإمارات. كما أعلن جمال بن حويرب عن نية المجلس إصدار كتيب يتضمن انطباعات وشهادات ومشاعر المشاركين في الندوة. آراء واستخلاصات

قراءة متأنية

رأى عبد الغفار حسين أن محاضرة الشيخ محمد بن راشد ( تحتاج منا إلى قراءة لكل فقرة من فقراتها والوقوف عند كل محطة من محطاتها الكثيرة، ولكن الوقت ليس فيه متسع في هذه العجالة, واختتم مداخلته بملاحظة هامة تقول إن»الشيخ محمد بن راشد حفظه الله-، لثقته الكبيرة في نفسه وثقته بمؤهلاته القيادية، لم يتحدث إلا لِماما عن دوره الشخصي في إرساء قواعد الاتحاد. والتاريخ يخبرنا أنه لولا الدور المحوري والقيادي لهذا الزعيم، ووقوفه في وجه العواصف التي هبت على الاتحاد في مناسبات مختلفة لكان حالنا في سوء لا يحمده التاريخ«.

 

معلومات جديدة

قال ابراهيم بو ملحة إن بعض المعلومات التي أوردها الشيخ محمد جديدة تماما مثل مكان توقيع اتفاقية السميح والمحادثات حولها التي جرت في عرقوب السديرة، وكذلك عندما اقتحم الشيخ محمد القصر وألقى القبض على المجموعة الانقلابية بقيادة الشيخ صقر والحوار الذي جرى بين الرجلين حول الغزو الداخلي والخارجي، وكذلك المعلومة المتعلقة بأنه كان هناك فكرة اتحادين، اتحاد إمارات واتحاد ولايات، لكن الشيخ زايد والشيخ راشد وبقية الشيوخ رفضوا هذه الفكرة

الشفافية والصراحة

أوضح بلال البدور أنه من المعلومات التي كشف عنها الشيخ محمد والمتعلقة باتفاقية السميح أن تلك الاتفاقية تضمنت اتفاقية الوحدة واتفاقية الحدود معا، وقال البدور: (إضافة للشفافية والصراحة، برزت شخصية القائد في محاضرة الشيخ محمد لا سيما عندما تحدث عن حادثة الشارقة وإقراره بأنه أخطأ حين تسرع ولم يأخذ معه قوة كافية).

Email