تاريخ ناصع بدأ منذ العشرينيات

سعيد لوتاه.. معين لا ينضب وتجارب متجددة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبره الكثيرون رقماً صعباً، قل مثيله في عالم المال والأعمال، يحمل بين أفكاره مشروعاً ثقافياً وتربوياً، بهدف تعزيز قيم الأخلاق والفضيلة في المجتمع. الحاج سعيد بن أحمد آل لوتاه، الذي ولد عام 1923 بدبي، رجل من الذين قل أن يجود بهم الزمان فكراً ونجاحاً، فضلاً عن تاريخ ناصع بدأ منذ العشرينيات، ومازال يفيض من تجاربه حتى الآن.

ومع شخصية بهذا الزخم المعرفي تكثر معها الآراء التي لا يحتمل الوقت استيعابها، فقد كان اهتمامه بالمرأة ودورها محور حديث تطرق لرؤيته في ما يخص مكانتها المجتمعية، وكيفية الاستفادة منها في النهوض بمجتمعها، مؤكداً أهمية أن تتعلم المرأة لتتفوق على الرجل، وأن يكون هناك صندوق مالي يخصص لتعليمها وتأهيلها، نافياً ضرورة لزوم المرأة بيتها. شهادات وكلمات كثيرة ازدان به حوارنا معه.

بداية أوضح أن حياته العملية بدأت منذ الصغر، مساعداً لوالده في تجارة اللؤلؤ، ثم العمل قائد سفينة، وتاجراً في الخليج العربي والمحيط الهندي، وخلال هذه الأوقات تعلم علم الاتجاهات وحركة النجوم، موضحاً أنه مع بداية تأسيس الدولة انتشرت أعمال الإعمار في كل الإمارات، حيث أسس أول شركة مقاولات عام 1956، ما أسهم بقوة في دفع عجلة الإعمار بإمارة دبي، ورأس مجلس إدارة مجموعة لوتاه، وتطرق إلى أهم مشاريعه، مثل تأسيس أول جمعية تعاونية في الإمارات والخليج، و«المعهد التقني» لتخريج المهنيين في مختلف مجالات الصناعة والكهرباء والنجارة، إضافة إلى أول جامعة بالاتصالات الحديثة عبر الإنترنت، وهي جامعة آل لوتاه العالمية، فضلاً عن تأسيس بنك دبي الإسلامي أول بنك إسلامي بالعالم، إضافة إلى أول مدرسة إسلامية، فضلاً عن تأسيس المدرسة الإسلامية للتربية والتعليم، التي يتخرج طلابها مباشرة إلى ميدان العمل، بعد سن الخامسة عشرة، كما أنشأ مؤسسة تربية للأيتام، وغيرها الكثير من الأعمال.

عصب المجتمع

وعن دور المرأة وأهميته أكد الحاج سعيد لوتاه كونها عصب المجتمع وشريكة أساسية للرجل في كل ما يخص نهضة الوطن، لافتاً إلى هذا الدور الكبير الذي أكده في كتابه (خسارة الأمم) الصادر مؤخراً، حاملاً بين طياته كثيراً من الأفكار التي تناقش أهمية دور المرأة في بناء المجتمع، من خلال التربية القويمة لأبنائها ومساعدتهم على أن يكونوا أفراداً صالحين يخدمون أنفسهم، ومن ثم وطنهم.

وأشار لوتاه إلى أن كثيراً من الأمم خسرت دور المرأة الكبير، من خلال عدم الاهتمام بها وبدورها الذي خلقها الله من أجله، متمثلاً في التربية الصحيحة للنشء التي تعد المهمة الأساسية لها تعقبها مهمات أكثر، موضحاً أن سبب تدني كثير من الأخلاقيات وصعود أجيال تطوقها سلبيات كثيرة، هو التعدي على دور المرأة الكبير والمهم، الذي لا يقدر عليه غيرها.

تعمير الأرض

وذكر في حديثه أن الله سبحانه وتعالى قد أوكل أدواراً مخصصة للمرأة، كونها السكن والرحمة والمودة والقادرة على بناء الأجيال، من خلال تربية الأطفال بمساعدة الرجل بهدف تعمير الأرض، موضحاً أن الرجل يتحمل المسؤولية، والتعب، والشقاء، والعمل على توفير الأمن والطمأنية لأسرته، وهذا ما يطلق عليه الخلافة للرجل، أيضاً فإن المرأة لا تعفى من مسؤولياتها من حمل وولادة وتربية، وهي الأمانة المكلفة بها والتي تظل في مسؤوليتها تحافظ عليها وتعمل على تنشئة أولادها تنشئة طيبة.

صفات مؤثرة

وأوضح أن المرأة أعطيت غريزة قوية ومؤثرة، فضلاً عن الصبر والحنان لكي تستطيع إكمال مهمتها في بناء الإنسان، وهذا ما لم يعط للرجل، لافتاً إلى أنه رغم ذلك فأدوار الزوجين تتكاملان في نسيج واحد يخدم المجتمع الصالح، كما أنهما متعاونان لتنفيذ مسؤولياتهما، بحيث يعرف كل منهما دوره ليؤديه حسب ظروف الحياة ومتطلباتها، والبيئة اللذين يعيشان فيها من غير اعتداء أحدهما على حق الآخر.

دور كبير

وأبان أن كلام الله عز وجل، وأحاديث الرسول الكريم في شأن تربية المرأة، بحيث جعل ثواب تربيتها الجنة، ترجع برأيه إلى كونها الحاضنة والمربية الأولى وهي المصنع الذي يخرج أجيالاً نافعة من أثر تربيتها، موضحاً أن دور المرأة ومسؤولياتها كبيرة وفي بعض الحالات تكون أكبر من مسؤوليات الرجل، حيث إنها تتسم بالحكمة والصبر والحنان، ولذلك فإن دور المرأة الإيجابي هو الأهم لبناء الإنسان، وهو مختلف عن دور الرجل في الحياة، مؤكداً أنه يجب على المناهج الدراسية التعريف بأهمية ذلك، والتأكيد على تنشئة وتربية البنات تربية حسنة، وتعليمها وإيلائها المكانة العالية لتحمل مسؤولياتها، حينها يكون المجتمع صالحاً لصلاح أهم عناصره وهي المرأة.

إهمالها خطر

وانطلاقاً من ذلك فإنه يرى أنه يجب على كل امرأة أن تستغل النعم الكثيرة، التي نعيش فيها حالياً من تكنولوجيات حديثة ودولة ذكية، فضلاً عن دعم القادة المخلصين، لتمارس دورها الإيجابي في تنشئة وتربية أولادها لتأسيس أسر صالحة ومجتمع فاضل يتحلى بالأخلاق والصفات الحميدة.

تعليم المرأة

شدد لوتاه على أنه كلما أهملت المجتمعات المرأة، ضعف إنتاجها، وكلما صلحت أخذت مكانتها وحسن بناؤها، نافياً أنه يطالب بلزوم المرأة بيتها فقط لتربية أولادها، وإنما ذلك فقط تعريفاً بمكانتها اللائقة بها ولعطائها المعروف عنها، ولذلك فهو يطالب أن تسعى كل امرأة للتعلم أكثر من الرجل، حتى يستطعن تحمل مسؤولياتهن بجدارة، مدللاً على ذلك بنماذج من النساء الأوليات، أمثال خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وما تحملته وواجهته ابتداء من نزول الوحي على النبي الكريم، مروراً بما واجهه لاحقاً من مصاعب.

الجوائز

تكريم ودكتوراه

• مُنح الدكتوراه الفخرية من أميركا تقديراً لجهوده الاقتصادية والتربوية عام 1999.

• حصل على جائزة تقديرية عن كتابه «لماذا نتعلم ؟» من جمعية المعلمين بالدولة

• حصل على «الدرع الذهبي» للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتونس، عرفاناً منها بدوره البارز في خدمة الثقافة العربية والإسلامية، وخدمة التربية والتعليم في الإمارات والخليج.

• مُنح الدكتوراه الفخرية من الأكاديمية الدولية للمعلوماتية في روسيا بالاتفاق مع هيئة الأمم المتحدة.

• حصل على لقب رجل الاقتصاد الأول في الإمارات عام 1999.

• كُرِّم من قبل مجلس التعاون الخليجي لخدماته الجليلة في مجال العلم والتعليم والاقتصاد.

• كُرِّم من جائزة حمدان بن راشد للعلوم الطبية عام 2004، لجهوده المتميزة في إنشاء كلية دبي الطبية للبنات وكلية الصيدلة للبنات

كتب

مؤلفاته تربوية واقتصادية وأدبية

أنجز الحاج سعيد آل لوتاه العديد من المؤلفات والكتب، مثل (لماذا نتعلم؟)، و(الأهداف من تأسيس البنوك: مقارنة بين النظام المصرفي الإسلامي والنظام المصرفي الربوي)، و(تأملات في سورة الطلاق)، و(تأملات في سورة الماعون)، و(الزواج في الإسلام عبادة)، و(أوتار .. وأفكار: همسات من قوافي الشعر النبطي)، وكتاب (تأملات الوصايا العشر)، وكتاب (الثروة)، وكتاب (من تجربتي)، و(كيف تكون مديراً)، و(حرب النقود والعملات)، وغيرها.

طالب بصندوق لتعليم المرأة

تطرق سعيد آل لوتاه في حديثه إلى فكرة يرى أنها ستساهم كثيراً في إبراز دور المرأة من خلال تعليمها وتأهيلها، بحيث يخصص المسؤولون صندوقاً تجمع فيه الأموال بغرض تعليم وتأهيل المرأة، وإعدادها لحمل رسالتها بجدارة، وجميع ما تحتاجه من علم وعمل ومهارات وانتاج متعدد، مؤكداً أن هذه الفكرة قابلة للتحقق إذا ما صدقت النوايا وشحذت الهمم لذلك. وحينما تتعلم المرأة تستطيع إفادة نفسها ووطنها فضلاً عن كونها الرمز الذي سيتعلم أبناؤها من خلاله، قيم العلم والعمل.

استفادة واسعة

وأشار أن الذين سيستفيدون من نجاح هذه التجربة هم كثيرون، ممن يسعون لزيادة الانتاج وازدهار الاقتصاد وزيادة الصالحين والمصلحين، فضلاً عن انتشار الأمن والاستقرار والسعادة، وذلك كله بفضل وجود أجيال تم تربيتها على الفضيلة والأخلاق والعلم من خلال أم صالحة، عالمة ومتطلعة لدورها الحقيقي، داعياً إلى إطلاق الفكرة وعرضها على الجمهور للاطلاع عليها وتطبيقاتها والمساهمة في التكاليف المالية والعلمية والعملية، والتعريف بمردودها الإيجابي عندما نستطيع تطوير المرأة وتأهيلها بشكل جيد لتنقل ذلك لأولادها وتتوارث الأجيال هذه الخبرات.

تطبيق عملي

وأكد لوتاه في هذا الاتجاه على أهمية أن يضم النظام التعليمي نساء ورجالاً مدربين على التطبيق العملي للأفكار، فضلاً عن الاهتمام بوجود المعلم الشامل، بحيث نضع كل ما نرغب في تعليم أولادنا له من أخلاقيات وفضائل، يتم تلقينها بأساليب تطبيقية وعملية ليسهل فهمها واستيعاب الطلبة لها، مؤكداً أن ذلك سيختصر الوقت لنستطيع تربية الأجيال الصغيرة كيفما نريد، وتأصيل حب التفكر والالتزام بالدين، وبر الوالدين، وحب الوطن وقادته، وتعليم الصفات الإيجابية، وبذلك نستطيع تكوين أجيال نافعة.

انتشار الفضيلة

وأكد على أن المجتمع سيستفيد من هذه الفكرة بشكل كبير، وخاصة الأسرة لأن أبناءها سيصبحون على قدر كبير من التربية، فضلاً عن التعامل فيما بينهم بصفات وأخلاقيات عالية، كما ستستفيد أيضاً الحكومات، من خلال ارتفاع وعي مواطنيها، وانتشار قيم حب الوطن واحترام القادة والتعاضد والتكاتف، وهذا ما سينعكس إيجاباً على ارتفاع معدلات الأمان لانتشار الأخلاقيات، كما ستعود فائدة كبيرة على الشركات التي ستضم إلى كوادرها موظفين ذوي تعليم جيد وأخلاق عالية تنعكس إيجاباً على معدلات نموها.

إنشاء الجامعات

اهتم الوالد سعيد آل لوتاه بالتعليم بشكل عام فأنشأ الكثير من الجامعات والمؤسسات التعليمية التي تساعد على تخريج طلبة متميزين في تخصصاتهم، وبالنسبة للطالبات فقد أنشأ كلية دبي الطبية للبنات عام1986 وكانت بهدف تقدير المرأة وحرصاً منه على توفير فرصة دراسة العلوم الطبية للفتيات المسلمات دون الحاجة للسفر بالخارج، كما أسس كلية الصيدلة للبنات عام 1992، وقد حرص من خلال ذلك على دعم وتمكين المرأة والعمل على تأهيلها علمياً بشكل متميز.

رؤى ثاقبة

تشمل رؤيته إيجاد مجتمع راقٍ، أهله لا يكذبون، لا يخونون، لا يخلفون الوعد، لا يغشون، أصحاب حياء، أصحاب مروءة، لا يتكبرون، ومما رزقهم الله ينفقون، وبناء اقتصاد قوي، بحيث يفعل أهله ما يقولون، ولا يتوقفون عن التعلم والانتاج، والتطوير، يحبون عملهم ويتقنونه، ومبدعون يرون عملهم عبادة، ويجتنبون الحرام، بالإضافة إلى تحقيق السياسة المستقرة، حيث إن المجتمع الراقي صاحب الاقتصاد القوي، يتسم أهله بالتعاون، والتسامح والتضامن، لا كذب ولا نميمة، تسود بينهم المودة والتراحم.

Email