انطلق من كورنيش أبوظبي قبل نصف قرن

«أبو طافش» أقدم مطاعم الأسماك

أبو طافش أمام مطعمه

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما مر به وحققه رضوان اشتي التميمي الشاب الفلسطيني الاردني منذ ان وطأت قدماه ارض امارة ابوظبي في العام 1965 الى ما وصل اليه واصبح «ابو طافش» صاحب مطاعم الاسماك والمشاوي الاشهر في الدولة اشبه بالدراما والقصص والحكايات القديمة وقصص الف ليلة وليلة التي نسجت الصدفة البحتة خيوطها ليصبح احد ابرز الوافدين الذين حققوا نجاحات وشهرة في الدولة.

بعد ان وصل الى امارة دبي قادما من بلاده ومعه مجموعة من الشباب العرب من عدة دول على متن احدى السفن من ميناء البصرة العراقي قاصدا ابوظبي رست السفينة على احد الموانئ في دبي ليعمل في احد المطاعم من اجل العيش وتوفير بعض المال لاسرته التي كانت تعتمد عليه الى ان ساقه القدر للوصول الى ابوظبي عابرا الحدود الفاصلة بين الامارتين ليعمل في وظيفة مماثلة ولينتقل الى وظيفة اخرى رتبها له القدر ليقيم من خلالها كشكا صغيرا في منطقة على ضفاف كورنيش ابوظبي وفي مكان لم يكن يدري ان الدنيا ستفتح له ذراعيها يأتي الخير من هذا المكان الذي كان يرتاده يوميا المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه حاكم ابوظبي آنذاك، والذي بحسه الفطري وبعروبته وبرغبته في بناء وتطوير بلده وجد فيه الشاب الطموح الراغب في العمل والحياة ليقدم له المال والدعم المعنوي ويساعده لاقامة مشروع صغير «مطعم وكازينو» على ضفاف كورنيش ابوظبي الرملي في ذلك الوقت، وليبقى متابعا وداعما له عبر سنوات طويلة ليتوسع في اعماله ونشاطاته التي دارت كلها حول البحر وخيراته من الاسماك، واشتهر بها حاملا الاسم الذي لقبه به الشيخ زايد قبل نحو 50 عاما ليظل ملاصقا له، ناسيا او تاركا اسمه الحقيقي الذي ما يزال يعتز به بجانب اسم الشهرة «ابو طافش» الذي تحمله مطاعمه هو وابناؤه وائل وعلاء ورائد.

البداية

يقول رضوان اشتي الشهير بـ«ابو طافش» في حواره مع «البيان»: عندما حضرت الى ابوظبي في العام 1965 اول ما لفت انتباهي وشدني وأثر في نفسي درجة الحرارة والرطوبة المرتفعة جدا والصحراء التي تلف المكان من حولي والمياه المالحة التي كنا نشربها في ذلك الوقت والتي لم اعش واتعود من قبل على مثل هذا الطقس الحار لانني من بلاد باردة الطقس وممطرة وتكسوها الثلوج في الشتاء.

جئت إلى دبي تهريباً

ويضيف: اتيت من بلدي فلسطين وكنت صغير السن وتوجهت الى الاردن ومنه الى سوريا ولبنان ثم الى البصرة في العراق وتعرفت صدفة على مجموعة من الشباب العرب عددهم يتراوح بين 70 الى 80 شابا في مقتبل العمر وصغار في السن من «الكويت وقطر وسوريا والاردن وبعض الدول العربية» وكانوا يريدون التوجه الى ابوظبي وكان لي سبعة اخوة الاكبر جاء الى ابوظبي قبلي باشهر للعمل بعقد رسمي بمهنة نقاش وفني صبغ واسمه صادق عثمان اشتي التميمي «ابو فواز» ولم يكن متاحا لي ان آتي الى ابوظبي بعقد رسمي مثله ولكن ارادة الله ورضا الوالدين، اتت بي الى ابوظبي حيث عقدت العزم على التوجه اليها «تهريبا» على متن مركب او سفينة كبيرة والتي قطعت المسافة بين البصرة وابوظبي في اربعة ايام الى ان وصلت الى دبي في العام 1965 ولم يخبرنا المسؤولون في المركب اننا في دبي بل قالوا لنا اننا في ابوظبي.

3 روبيات يومياً

ويتابع قائلا: بعد وصولي الى دبي عملت في مطعم الامراء وكان يمثل ملتقى لجميع ابناء الجاليات العربية في دبي وكنت احصل على ثلاث روبيات في اليوم ويوفر صاحب المطعم لي مكانا للنوم والاكل يوميا وبعد شهر علم اخي الاكبر صادق والذي كان يعمل في ابوظبي بوصولي الى دبي وكان على علاقة صداقة مع شخص اسمه نايف اسكافي صاحب مطعم «القدس» في ابوظبي في ذلك الوقت والذي جاء الى دبي لاحضار عمال للعمل لديه في المطعم فطلب اخي منه احضاري للعمل لديه.

عبور الحدود بين أبوظبي ودبي

ويضيف ابوطافش انه حضر بتأشيرة تسمى «بروة» وكان في ذلك الوقت هناك حدود تفصل امارة دبي عن ابوظبي ودخلت ابوظبي قانونيا للعمل بمطعم القدس بمهنة «جرسون» وكنت احصل على «دينار بحريني» اجرة في اليوم وتمكنت نتيجة عملي في المطعم من توفير بعض المال لانتقل بعدها للعمل في شركة البيبسي كولا والتي تقع في مقرها الحالي بشارع المطار في ابوظبي في مهنة محاسب «كراني» وكنت مسؤولا ومشرفا على سيارة ومعي سائق واثنان من العمال لتوزيع الثلج للخيم والصيادين وبائعي الاسماك وكنت ابيع في اليوم من 200 الى 300 لوح ثلج.

وخلال تواجدي وعملي في ابوظبي تعرفت على معالمها وكنت في اوقات فراغي اتوجه الى شاطئ البحر او الكورنيش الحالي وتحديدا في المكان المقابل لفندق هيلتون ابوظبي وفي المكان الذي توجد فيه الصورة الضخمة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله ولفت انتباهي انه لا يوجد اي اشخاص لبيع المياه والمثلجات والآيس كريم للمارة على الكورنيش.

الكشك "الصندقة"

وطلبت من الشركة ان تنشئ لي كشكا في منطقة الكورنيش مقابل هيلتون حاليا لبيع القهوة والشاي والبيبسي والمياه ووافقت لانه كان دعاية لها ووفرت لي عددا من الكراسي والشماسي عليها شعار الشركة وكان ذلك بدون تصريح رسمي من الجهات المعنية واصفا ذلك بانه «على البركة».

مرور زايد وموكبه

ويضيف ابو طافش: احضرت عاملا لمساعدتي حيث كان الجو شديد الحرارة والرطوبة ولم اكن قادرا على تحمل العمل بمفردي وقلت لنفسي «اجلس يوم او اثنين بعدها تأتي البلدية وتزيل الكشك لانه بدون تصريح رسمي» ولكن بارادة الله وبركة دعاء الوالدين مر شهر واثنان او ربما اكثر ... ويأتي المغفور له الشيخ زايد رحمه الله وموكبه الذي يضم شخصيات كبيرة من مرافقيه اتذكر من بينهم احمد خليفة السويدي وعلي الشرفا وعبد الله النويس وعمير بن يوسف وعبد الجليل الفهيم وحمودة بن علي وغيرهم من الشخصيات الكبيرة في ذاك الوقت.

حوار للتاريخ

ويتابع: مر الشيخ زايد رحمه الله بسيارته ومعه موكبه المكون من ثلاث او اربع سيارات وتوقف وعرفت بعد ذلك انه قال لمرافقيه انه مر من قبل في نفس المكان ولم يكن فيه اي حركة من الناس والسيارات و«اليوم» يوجد ازدحام وحركة اكبر من ذي قبل.

ولم اكن اعلم انه الشيخ زايد ولكن الزبائن الموجودين قالوا انها سيارته وانه بداخلها وجاء لمعرفة ماذا حدث في المكان وهذا الازدحام ثم اسرعت لرؤيته وقام جميع من كانوا بالمكان للسلام عليه وتحيته ورد المغفور له السلام والتحية للجميع بتواضع شديد وطيبة وابتسامته المعهودة.

فقال: هذه الصندقة حق من؟ يقصد «الكشك» فقال بعض المتواجدين هذه حق الفلسطيني الاردني واشاروا علي، فقال نادوا هذا الفلسطيني الاردني.

فقالوا لي الشيخ زايد يريدك، بصراحة انا خفت وقلت لنفسي ماذا يريد الشيخ زايد؟ انا لا اعرفه وهو لا يعرفني، توجهت نحوه وسألني من اين اتيت؟ أجبته وأنا ارتعش، من فلسطين يا طويل العمر. «طفشت» من فلسطين والاردن والعراق ومن دبي الى ابوظبي.

فقال لي انت طافش «ابو طافش» فقلت له «طافش طافش».

وقال لي مالك خايف؟

أجبته: انا فلسطيني من الاردن

فقال لي ماذا«تسوي هنا»؟

قلت: جئت اشتغل وآكل خبزا.

فقال لي هذه بلاد العرب والمسلمين بلاد فلسطين والاردن وسوريا ومصر والجزائر وليبيا وتونس هذه بلاد الاسلام وبلاد العرب وقال لي «كبر ووسع الكشك»

قلت طال عمرك انا فقير ما معي «بيزات» فلوس

فامر رحمه الله احد مرافقيه ان يعطيني كيسا صغيرا فيه حوالي 200 الف روبية هندية وهو مبلغ محترم آنذاك

وقلت طال عمرك ما عندي كهرباء ومياه، فأمر بمنحي رخصة بالكهرباء والماء وان اوسع الكشك، وقال لي بعد ثلاثة ايام سأمر عليك لأعرف ماذا حدث. واضاف انتم الفلسطينيين تعمرون البلد.

شجعني ودعمني بالمال وايد خطواتي ودعوت له بالصحة والسعادة.

وبعد مرور ثلاثة ايام اوفى سموه بوعده وجاء في الموعد الذي حدده ولكني لم افعل شيئا.

وقال لي: لم تفعل شيئا؟

أجبته «البيزات» لم تكف لافتتاح مطعم، امر بإعطائي مبلغا مماثلا للمبلغ السابق الذي حصلت عليه.

ويتابع أبوطافش: اصبح لدي مبلغ كبير وافتتحت المطعم في نفس مكان صورة الشيخ زايد مقابل فندق هيلتون ابوظبي الحالي وبجوار فندق قصر الامارات. وكان اسمه «مطعم وكازينو السندباد البحري» ونظرا لقربه من البحر فكان المد والجزر يغمره بالمياه ونخرجها من داخله واستمر المطعم لمدة 5 سنوات، وبعد بناء فندق الهيلتون وانشاء شوارع ابوظبي وبناء فندق الخالدية بلاس

جاءت اوامر بتخطيط ابوظبي وتم نقل المطعم الى منطقة بين فندق الخالدية بلاس وميناء الشيخ حمدان بن محمد والذي كان يقع في مكان فندق ابراج الاتحاد حاليا.

مطعم عائم

وطلبت من المغفور له الشيخ زايد اقامة مطعم سياحي عائم، وقلت له اريد سفينة وفلوسا، أجابني فالك طيب، اعطاني الفلوس لإقامة المطعم العائم ومنحني رخصة لبناء مطعم السفينة لانه كان يشجع على تعمير البلاد وانتقلت بالمطعم الى مرسى البطين ولم تكن منطقة معروفة في ذاك الوقت والتي مكثت فيها عدة سنوات وانتقلت بالمطعم لعدة مناطق بمرسى البطين حتى عام 2005.

ويضيف ان الجهات المعنية طلبت مني ان اترك المكان لعمل ميناء الشيخ سعيد بن حمدان آل نهيان ولكن طلبت مهلة عامين لاخلاء المكان وايجاد مكان بديل وبعدها تركت المكان وافتتحت مع ابنائي مطعما في شارع حمدان بابوظبي وآخر في الجميرا بدبي وفي البوادي مول في العين وفي مدينة خليفة أ وافتتاح الفرع الخامس في احدى العمارات السكنية في منطقة مرسى البطين اربعة منها باسماء اولادي والمطعم الوحيد باسمي في مرسى البطين.

فخر واعتزاز بـ «زايد»

يقول «أبوطافش» انه رغم شهرة مطعم وكازينو السندباد والذي تحول الى مطعم الشاطئ الذهبي بعد ذلك الا ان شهرته الاكبر والاسم المتداول والمعروف لدى الناس هو المطعم العائم «ابوطافش» وذلك بعد اكثر من 20 عاما في العمل.

ويتابع: ان المغفور له الشيخ زايد كان يأتي الى مطعم وكازينو السندباد مرتين في اليوم ويرافقه الشيوخ والوزراء وهذا كان يشعرني بالفخر والسعادة لان المطعم اصبح ملتقى كبار الشخصيات في ابوظبي وعلى رأسهم الشيخ زايد طيب الله ثراه.

وأشار إلى أنه شاهد على مراحل كثيرة من تطور امارة ابوظبي والامارات بحكم تواجدي على ارضها لنحو 50 عاما منذ ان وطأت قدماي ارض الدولة وأنا شاب صغير الى ان بلغ عمري الآن اكثر من 75 عاما مشيرا الى انه شهد تطور ابوظبي من الصفر الى النهضة العمرانية غير المسبوقة في اي مكان في العالم.

موقف

زايد الإنسان

يحكي ابوطافش قصة تعكس انسانية المغفور له الشيخ زايد واياديه البيضاء التي تمد الخير والعطاء للجميع عندما زار احدى المدارس الابتدائية وكان الطلاب المواطنون يحصلون على تغذية ومأكولات، أما الطلبة الوافدون لا يحصلون عليها وكانت بنت اخي صادق «عزيزة» طالبة في المدرسة فقالت للشيخ زايد طال عمرك زملاؤنا المواطنون يأخذون اكلا وفواكه وملابس للمدرسة وفلوسا ونحن لا نحصل على شيء فامر طيب الله ثراه بان يحصل الوافدون على ما يحصل عليه الطلبة المواطنون وهذا كرم كبير منه نحو كل من يعيش على ارض الدولة وما يزال مستمرا هذا الكرم والعطاء في عهد ابنائه اصحاب السمو الشيوخ اطال الله في اعمارهم.

عمران

كاسر الأمواج أحد أفكار زايد

يشير الى ان منطقة كاسر الامواج الحالية تعد احد افكار المغفور له الشيخ زايد طيب الله ثراه التطويرية لأبوظبي والذي امر بإنشائها وتكلفت ملايين الدراهم في حينه الى ان اصبحت اليوم اهم منطقة سياحية في ابوظبي، ومحط انظار الزوار والسياح وتضم الآن احد اكبر مراكز التسوق في الامارة والدولة مركز المارينا التجاري المارينا مول ومن افكاره ايضا الطريق الشرقي من ميناء زايد وانشاء مدينة مصفح الصناعية وتخطيط مدينة ابوظبي وانشاء الشوارع والمدن ومشاريع البنية التحتية.

Email