ابتكارات الطلبة.. المواهب حاضرة والمصانع غائبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لمشاهدة ملف " ابتكارات الطلبة.. المواهب حاضرة والمصانع غائبة " بصيغة الــ pdf اضغط هنا

 

من الأمور الراسخة التي أصبحت منهجاً ثابتاً أن دولة الإمارات تتخذ خطوات هامة متسارعة نحو بناء اقتصاد تنافسي مستدام قائم على المعرفة، كما أن الكشف عن المبتكر يبدأ من المؤسسات التعليمية التي يتمثل دورها في إمداد الطلبة بالمهارات اللازمة للانتقال من كونهم مستهلكين للتكنولوجيا ومنتجاتها إلى مصممين ومنتجين للتكنولوجيا ومنتجاتها.


إلا أن عدداً من المختصين والمسؤولين يرون أن المؤسسات التعليمية ينقصها وجود بيئات ومصانع وشركات تتبنى الابتكارات، مشددين على ضرورة تفاعل القطاع الصناعي مع المؤسسات التعليمية والاهتمام بقدرات الطلبة ومنحهم الفرص لإطلاق العنان لأفكارهم، مشيرين إلى أن قلة الفرص التي تمنح للطلبة في مجال التجريب والبحث أسباب تساهم في قتل الإبداع.


ودعا المختصون أيضاً إلى ضرورة إعادة هيكلة ثقافة المؤسسات التعليمية وخاصة الجامعية بتحويلها إلى حاضنات للمبتكرين واكتشاف المواهب الطلابية وترسيخ ثقافة مجتمعية تبجل المخترع والمبتكر وتعلي من شأن قيمة المنطق العلمي كوسيلة لتحليل المشكلات وإيجاد الحلول.


أشواط واسعة


وقال معالي حسين الحمادي وزير التربية والتعليم إن الوزارة قطعت أشواطاً واسعة في إطار جهودها الحثيثة نحو تطبيق مسارات المبادرات الداعمة للابتكار، وجعلت الابتكار ممارسة يومية ومنهجية عمل تدخل في صميم تفاصيل المنظومة التعليمية، وهو الأمر الذي تترجمه اليوم أعداد الابتكارات والمشاريع التي تظهر في المعارض، بالإضافة إلى أعداد الطلبة الذين ينخرطون في المسابقات الابتكارية.


وأوضح أن ما يظهر اليوم من ابتكارات تملأ معارض الابتكار في شتى إمارات الدولة يؤكد أن الدولة ماضية في طريقها لتكون دولة رائدة في مجالات العلوم والتقنية والحداثة المرتبطة بالتكنولوجيا.


وتابع: إن الدولة ماضية في إنتاجها للمعرفة وتصديرها للخارج، وهذا ما تتكاتف عليه المؤسسات الحكومية والوزارات جميعها لتحقيقها من خلال التنسيق في ما بينها لتبني ورعاية المبتكرين وحشد الهمم لجعل شبابنا ناقلين للمعرفة، وأصحاب السبق في الأفكار الرائدة والمبتكرة حتى يصنعوا الفارق.


ولفت إلى أن الوزارة وفّرت المناهج الجديدة المطورة بطريقة تساهم في تعزيز مواهب الطلبة والكشف عنها، في جميع المراحل الدراسية، مشيراً إلى أن خطط التطوير التعليمية التي انتهجتها وزارة التربية مؤخراً تستطيع أن تلمس تحولاً جذرياً في الفكر الذي تستند إليه المدرسة الإماراتية، حيث أصبحت تحمل نهجاً مختلفاً عصرياً في الممارسات التعليمية الحديثة المعتمدة، لترسخ لحقبة جديدة لدعم الموهوبين وتعزيز الابتكار بمفهومه الواسع، والذي طال المناهج الدراسية، ومجموعة الأنشطة المدرسية، وطريقة التعلم التفاعلية الذكية في القاعة الصفية.


 وذكر أن دعم الموهوبين في المدرسة الإماراتية بات ضرورة ملحة تمليها السمات التي يجب أن يتصف بها الطالب الإماراتي، إذ يجب أن يكون مبتكراً، ومفكراً وناقداً وقادراً على حل المشكلات، ويتمتع بقيم واضحة من المسؤولية والنزاهة والشفافية والعمل الجاد، وقادراً على ريادة الأعمال، ملماً بأحدث التقنيات وبإمكانه توظيفها مهنياً بشكل فاعل، وكذلك يجب أن يكون معتزاً بهويته الوطنية، مشيراً إلى ضرورة أن يمتلك المعلم كذلك المهارات والأدوات المعرفية والابتكارية ليتمكن من إيصال رسالته التعليمية بالشكل الأمثل إلى الطلبة.


دعم اقتصاد المعرفة


بدوره، أكد معالي الفريق ضاحي خلفان تميم، نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لرعاية الموهوبين أهمية أن يكون لدينا ابتكارات لها إسهامات في دعم التوجهات الوطنية لتعزيز القدرات التنافسية المؤسسية، وتعزيز اقتصاد المعرفة والذي من أهم مرتكزاته الاستثمار في التكنولوجيا، وتقوده كوادر وطنية شابه يتميزون بالمعرفة والإبداع بما يضمن الازدهار المستمر للدولة.

وقال: يجب أن يأتي الابتكار بمردود إيجابي على الاقتصاد التنافسي، وهذا يتحقق من خلال احتواء المؤسسات التعليمية على حاضنات للابتكار من أجل تحفيز الطلبة على الإبداع، وحث معاليه رؤساء الجامعات على ضرورة وضع تصور يتلخص في كيفية استقطاب الأشخاص الذين لديهم قدرات ومواهب إبداعية للاستفادة منهم بما يعود على المجتمع بالنفع الكبير.


وأشار إلى أن الكثير من دول العالم التي تفتقد إلى تخصصات في مجالات علمية وابتكارية وإبداعية ضمن مواطنيها، تسعى إلى استقطاب عقول خارجية من دول أخرى لديها تلك التخصصات وتعمل على رعايتها ومنحها الكثير من الامتيازات التي لا تتوافر لها في بلدانها.


وشدد على أهمية تعليم الطلبة منذ نعومة أظفارهم البرمجة التي تعد لغة المستقبل، مثمناً مساعي معالي حسين الحمادي وزير التربية والتعليم في الاهتمام بهذا الجانب والاتجاه بالتعليم نحو هذا الهدف الموائم لتوجهات الحكومة الرشيدة والذي من أجله أطلقت عام الابتكار وشهر الابتكار.


ونوه معاليه إلى أن كلمة ابتكار يجب أن تطلق في محلها، فالابتكار اصطلاحاً يعني عملية خلق أو إنتاج شيء جديد، على أن يكون أصيلاً وملائماً للواقع، وذا مضمون ويحل مشكلة من المشكلات، ويكون ذا قيمة ويحظى بالقبول الاجتماعي، كما أنه يعرف بقدرة الفرد على تجنب الطرق التقليدية في التفكير مع إنتاج أصيل وجديد يمكن تنفيذه أو تحقيقه شريطة أن يعود بالنفع على المجتمع.


وأشار إلى أن «جامعة حمدان بن محمد الذكية» كانت لها محطة مهمة للغاية في مطلع العام 2017، مع انطلاق برنامج «المبرمج المواطن» الذي يمهد الطريق أمام بناء أجيال من المبرمجين المواطنين الذين يمتلكون زمام التكنولوجيا الحديثة.


وأضاف أن أهمية البرنامج النوعي تنبثق من كونه أول مبادرة وطنية من نوعها على مستوى الإمارات تستهدف تمكين المواهب الوطنية الناشئة من إتقان مهارات ترجمة الحاسوب التي تتفوق في أهمية إتقانها اليوم على أيّ من اللغات الحية.


ويأتي نجاح البرنامج الوطني الفريد بمثابة دفعة قوية لجهود الجامعة لإرساء دعائم متينة لتنشئة جيل متمكن من أدوات التكنولوجيا لقيادة جهود صنع واستشراف المستقبل وفق متطلبات القرن الحادي والعشرين، بما يصب في خدمة غايات «خطة دبي 2021» و«رؤية الإمارات 2021».


منظومة متكاملة


من جهته قال الدكتور لؤي محمد بالهول مدير دائرة الشؤون القانونية لحكومة دبي، عضو مجلس أمناء مؤسسة حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز، إن الابتكار منظومة متكاملة وركيزة أساسية لبناء اقتصاد قائم على المعرفة، معتبراً أنه لا يمكن أن يحدث ذلك إلا من خلال بسط العوامل التي تدفع طلبتنا على استثمار طاقاتهم ومواهبهم وقدراتهم في هذا المجال الحيوي.

وأكد أهمية تكاتف جميع المؤسسات والهيئات لرعاية وتبني المبتكرين وتوجيههم في المجالات الاقتصادية الداعمة، لتحقيق تكامل الأدوار، وتحديد رؤية عمل موحدة والاستفادة من التجارب العالمية الناجحة، واستثمار الخبرات المواطنة التي يذخر بها الميدان لبلوغ الأهداف الوطنية.


وأوضح أن بلدان العالم المتقدمة لديها منظومة متكاملة لرعاية وتوجيه المبتكرين، والتكامل في أدوار جميع المؤسسات المعنية بالموهوبين وتوجهاتها في مسارات موحدة ورؤية مشتركة.


دور أساسي


في السياق ذاته، أكد الدكتور عبداللطيف الشامسي مدير مجمع كليات التقنية العليا، أن مؤسسات التعليم تلعب الدور الأساسي في تعزيز الابتكار كثقافة، فالمنظومة التعليمية عامة يجب أن تشجع الابتكار والإبداع منذ الصغر، والمجتمعات ذات الاقتصادات المتقدمة تعتمد على نشر ثقافة الإبداع من مراحل مبكرة، وهذا ما نركز عليه في دولة الإمارات الساعية لبناء اقتصاد المعرفة وهو الاقتصاد القائم على ثروة المعرفة والتي يتطلب الوصول إليها تقدير الإبداع والموهبة وصقلها بكافة الوسائل والأساليب، وخاصة أن كثيراً من المفكرين العالميين أكدوا أن الأطفال مبدعون بالفطرة والنظم التعليمية هي التي تؤثر فيهم إما سلباً بإبعادهم عن تلك الفطرة أو إيجاباً بتوجيههم نحو الإبداع.

وأضاف أن الرؤى والجهود الوطنية المتعلقة بالابتكار رسمت خارطة عمل ساهمت في تعزيز الابتكار كثقافة مجتمعية تؤتي ثمارها اليوم، مع اعتبار الابتكار جزءاً أساسياً من التكوين المؤسسي وأسلوب عمل وإنتاج لأجل التميز ومواكبة التغيير، وبالنسبة لكليات التقنية الابتكار جزء لا يتجزأ من منظومتها التعليمية اليوم على المستويين الإداري والأكاديمي، فلا ينحصر الموضوع في مشاريع طلابية مبتكرة بل هي بيئة عمل متكاملة تبدأ من الإدارة بهدف الوصول للمخرجات النوعية المأمولة، ضمن بيئة تعليمية متطورة بكوادرها وإمكاناتها لتحفز الطلبة على الإنتاج، في إطار الشراكة مع المؤسسات لجعل الطلبة أكثر وعياً بالمهارات المطلوبة لسوق العمل وبالتحديات التي يمكن أن تمثل لهم أفكاراً لمشاريع تخرج، فيستثمرون معرفتهم ومهاراتهم التطبيقية في ظل التقنيات المتوافرة لخلق حلول إبداعية لتلك التحديات.


هذا بالإضافة إلى منظومة البحث التطبيقي التي تعمل عليها الكليات اليوم بشراكة مع قطاعات الصناعة بهدف تعزيز دورها في المساهمة في التنمية الاقتصادية من خلال تنفيذ أبحاث تطبيقية تقدم حلولاً لتحديات تواجه القطاع الصناعي، يعمل عليها الأساتذة والطلبة وفقاً لتخصصاتهم، ويتم تمويل هذه الأبحاث من قبل الكليات بميزانية سنوية، حيث خصصت العام الماضي ميزانية للأبحاث بلغت 2.5 مليون درهم.


وقال الدكتور الشامسي: نحن أمام منظومة ابتكار متكاملة، واليوم لدينا خطط جديدة للمرحلة المقبلة تتمثل في تأكيد دور الكليات كمنطقة اقتصادية إبداعية حرة وفق توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ــ رعاه الله، في وثيقة الخمسين عاماً التي رسمت صورة مستقبلية للجامعات والكليات بحيث تخرج رواد أعمال وإنتاج أفكار وتطوير شركات، وهذا ما تطمح الكليات لتحقيقه في إطار امتلاكها المقومات والاستراتيجيات اللازمة لتحقيق ذلك والأهم تميزها بالتعليم التطبيقي الذي يدعم خلق طلاب مبتكرين ومبدعين من خلال تمكينهم من المهارات التطبيقية والخبرة المهنية عبر شراكة فاعلة مع مؤسسات العمل، فكليات التقنية لديها هدف استراتيجي يتعلق بتمكين 5% من خريجيها العام 2021 كرواد أعمال من أصحاب الأفكار الإبداعية.


مؤسسة ابتكارية


 من جانبه، أفاد الدكتور أحمد العور مدير عام معهد التكنولوجيا التطبيقية التابع لمركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني، بأن المعاهد أصبحت مؤسسة ابتكارية حيث يتم توفير البيئة المحفزة للتعليم والتي تواكب المستجدات العلمية والتقنية في هذا المجال وجعل التعلم أكثر متعة وإثارة، مؤكداً حرص المعاهد على توفير أحدث التطبيقات التي توصل إليها العالم المتقدم في مجال تكنولوجيا المعلومات ووضعها بين أيدي الطلاب ليضمن لهم التميز في استخدام أحدث التقنيات اللازمة لتسهيل العملية التعليمية، ولتحفيزهم على الإبداع والابتكار من خلال تلك الوسائل.

وذكر أن المشاريع الابتكارية التي ظهرت على أيدي طلبتنا تحثنا على مواصلة التطوير واستحداث وتنفيذ كافة البرامج الإيجابية خلال المرحلة الحالية والمقبلة من أجل الوصول بالطلبة إلى أرقى المستويات العلمية المرجوة التي تمكنهم من التميز في التخصصات الهندسية والتكنولوجية وخاصة أن المعاهد قائمة في كافة نواحي عملها على تطبيق كافة الأساليب والنظم والبرامج العملية والعلمية التي ثبت نجاحها وتميزها والتي تصل بالطلبة إلى تحقيق الأهداف المرجوة.


أمن وطني


وأكد الدكتور جمال المهيري الأمين العام لمؤسسة حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز، أن الدول الآسيوية عالية الدخل مثل سنغافورة واليابان ترى أن الابتكار هو أحد المحركات الرئيسة للاقتصاد الموجود سواء كان اقتصادياً أو صناعياً، مشيراً إلى أن هناك دوراً للمؤسسات الجامعية والمدارس فتلك الدول لديها أسس ومناهج في الابتكار موجودة في الجامعات والمدارس.

وأشار إلى أن الابتكار لا بد من أن يتم له توفير قاعدة صناعية وهي المصانع والانتقال به إلى حركة صناعية موجودة حتى يتطور ويحقق الهدف منه.


وقال إن المؤسسات التعليمية في الوطن العربي لا تنتج ابتكارات ولا مبتكرين لأن فيها قوانين صارمة موجودة لا تعطي المبتكر حرية، فلا بد من إعطائه الحرية للمساعدة على الوصول للهدف مع عدم وجود قوانين حتى ندفعه ونحفزه على الابتكار.


وأضاف إن المبتكر يحب أن يتحدى الواقع كما أن بعض المؤسسات التعليمية تعاقب على نمط سلوك المبتكرين، والحق أنه لا بد من أن نعطيه الحرية، حتى ينجح في ابتكاره الذي لم يأتِ مرة واحدة ولكنه يأتي بعد عدة محاولات.


ولفت إلى أن النمط الاقتصادي يولد المزيد من الابتكار لأنه يزدهر في البلاد الصناعية لذلك لا بد من أن نخطو نحو الصناعات وبفضل قيادتنا الرشيدة هناك وعي بأن ثقافة الابتكار تتطور بشكل كبير في الدولة ما يساهم في خلق بيئات صناعية.


وذكر أن ثقافة الابتكار في المجتمع تعد قضية أمن وطني ليست مجرد برامج وإنما لها الدور في الأمن والأمان والصناعة وتقوية الاقتصاد الداخلي.

 


بذرة

قال الدكتور ماهر حطاب، مدير مدرسة الشروق الخاصة، إن كل طفل يملك قدرات خاصة نحو الإبداع، وهذه القدرات كامنة في كينونة الطفل، وتحتاج إلى من يغذيها ويسقيها من روح الإبداع، فهي كالبذرة في
الأرض، إن وجدت الماء والبيئة الثرية والراعي الحقيقي، فإنها تنبت وتزهر وتنتج مثيلاتها، وإن أُهملت ولم تتلقَّ شيئاً فإنها تظل كامنة في الأرض، لكن كمونها في الأرض لا يعني عدم وجودها.

وأوضح أن المعلم يعد العامل الأول والأكثر أهمية في صناعة الابتكار، ويجب أن يكون المعلم من المبتكرين والقادرين على صياغة المنهاج الذي يغذي به ما هو دفين لدى الطلبة من إبداعات وابتكارات، ففاقد الشيء لا يعطيه، وعليه أن يوفر البيئة المحفزة والمشجعة على الإبداع، وأن يوفر جواً لطلاقة التفكير وحريته، وذلك حتى تكون المدارس حاضنة للموهوبين والمبدعين.


تنمية


يؤكد الدكتور خالد هنيدي، الأستاذ في كلية الاتصال الجماهيري بجامعة الفلاح، أن التعليم في أي مجتمع يعد أحد أهم مكونات وعناصر التطوير والتنمية والتحديث، لذا فإن السعي إلى تعديل منظومة ومناهج التعليم بما يخدم ويحقق أهداف المجتمع للتطوير والتنمية ينطلق من سعي الدولة إلى تحديد أولوياتها، ومن وجهة نظري إن هذه الأولويات تبدأ بخلق بيئة تعليمية مناسبة تضم مناهج ومقررات وأعضاء هيئة تدريس ومدرسة أو جامعة لها سمات المؤسسة التعليمية الحقيقية التي تخلق مبتكراً ومبدعاً في كل المجالات، وليس مجرد خريج يمثل رقماً يضاف إلى سلسلة الخريجين، معتقداً أن ذلك ليس صعب التحقيق، بل من الممكن وبسهولة إذا تم تحديد المطلوب بالضبط، وما هي الأهداف العاجلة والآجلة، بمعنى أن يكون لدينا رؤية واستراتيجية تعليمية قائمة على رؤيتنا للمستقبل وحاجتنا في مجالات متعددة وفق هذه الرؤية، وبهذه الطريقة تكون المدارس والجامعات البيئة المناسبة للابتكار والإبداع، وتحقق التنمية والتحديث التي يحتاج إليها المجتمع.


حاضنة


قال الدكتور محمد جابر قاسم، من كلية التربية بجامعة الإمارات: «الأصل في المؤسسات التعليمية أو ما يسمى بالحاضنات التعليمية من مدارس وجامعات أنها تنمي القدرات والمهارات لدى النشء، واستثمار موروثهم وفطرتهم العقلية والانفعالية والجسمية إلى أقصى حد ممكن، للحفاظ على هذه القدرات الموروثة وعدم إهدارها، فيما توظف هذه المؤسسات إمكاناتها من أساتذة ومناهج ومواد تعليمية وأنشطة لتحقيق ذلك».


وأضاف: «تتجه الأنظمة التعليمية إلى الابتكار وتربية المبتكرين عن طريق التربية الابتكارية والكشف عن المواهب وتعهد الموهوبين، ومواكبة لذلك تسعى دولة الإمارات إلى إعداد خريج مبتكر، واتضح ذلك من خلال عام الابتكار، ومن خلال تطوير المناهج الدراسية التي تعتني بالتفكير الابتكاري ومهارات الابتكار كمتطلب للقرن الحادي والعشرين».


ويرى الدكتور قاسم أن إعداد شخصية مبتكرة يحتاج إلى مزيد من الرعاية بالموهوبين وتبني مناهج دراسية مرنة تتيح للمتعلمين فرص التفكير والابتكار والاهتمام بالأنشطة التعليمية والمسابقات، التي تحث على التفكير والابتكار والبعد عن التقليدية، التي تعنى بالمعلومات والبيانات التي تحد الإمكانيات العقلية للمتعلمين، وتحصرهم في تذكرها وحفظها بغرض الاستدعاء في الامتحانات والحصول على الدرجات.


منصور العور: الإبداع دافع التنمية

قال الدكتور منصور العور، رئيس جامعة حمدان بن محمد الذكية: «نلتزم في جامعة حمدان بن محمد الذكية بإتاحة السبل اللازمة لاستكشاف آفاق جديدة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، استناداً إلى الإبداع والابتكار الذي يمثل ركيزة أساسية لمواكبة متطلبات المستقبل».

وأضاف: يأتي تركيزنا على الابتكار تماشياً مع سعينا الحثيث للإسهام بفعالية في تعزيز اقتصاد المعرفة، من خلال مبادرة «مختبر الإبداع في مستقبل التعليم الذكي»، الذي يشكّل إضافةً نوعيةً إلى جملة الإسهامات الاستراتيجية المتمحورة حول استشراف مستقبل التعليم الذكي في دولة الإمارات، عن طريق تحفيز بيئة الابتكار والإبداع في صناعة المعرفة، وتبنّي ثقافة التطوّر المستمر والمستدام.


وأوضح أن مختبر الإبداع لاستشراف مستقبل التعليم الذكي يهدف إلى تقديم منصة تفاعلية عالمية المستوى لتحفيز الابتكار وترسيخ جسور التواصل والتفكير الإبداعي في أساليب التعليم الذكي في العالم التي تضم نخبة من أبرز الخبراء الأكاديميين العالميين، وذلك عبر سلسلة من الاجتماعات الشهرية التي تقام تحت مظلة الجامعة للوقوف على أبرز التحديات الناشئة والفرص والقضايا الملحّة في قطاع التعليم الذكي، من أجل الخروج بتوصيات وخريطة طريق مبتكرة لتذليل العقبات والارتقاء بالتجربة التعليمية، بما يصب في خدمة الدارسين في العالم، وكذلك الهيئات التدريسية والإدارية في الجامعات الذكية.


وقال إن اللقاءات النقاشية تغطي كل الجوانب والمحاور التي تُعنى بتطوير المنظومة التعليمية الحديثة، مع التركيز بشكل خاص على إيجاد الحلول المثمرة للتحديات الراهنة في مجال التعليم الذكي.


العضب: المؤسسات التعليمية الحاضنة الأولى


قال الدكتور عمر سليمان سالم العضب، نائب مدير الشؤون الأكاديمية في مدرسة الخالدية للتعليم الأساسي دبا، إن ما وصلت إليه المؤسسات التعليمية من اهتمام بالغ بالابتكار جاء بفضل دعم القيادة الرشيدة وتوجيهاتها السديدة، لافتاً إلى أن المؤسسات التعليمية هي الحاضنة الأولى بعد الأم في رعاية الأبناء، وباتت تلك المؤسسات تحصد ثمار تلك الرعاية بعد مرور أربع سنوات على عام الابتكار، ودفع القيادة لوتيرة الابتكار في المدارس، إذ ظهرت مئات المشاريع الابتكارية والأفكار الإبداعية، وحسب إحصائيات نهاية مسابقات الذكاء الاصطناعي والروبوت لعام 2019، فإن 1596 طالباً شاركوا فيها من 214 مدرسة حكومية و52 مدرسة خاصة، ما يعكس مدي استيعاب مفهوم الذكاء الاصطناعي الذي أصبح توجها للدولة، وشارك 6 طلبة من مرحلة رياض الأطفال و216 طالباً من الحلقة الأولى، و663 طلبة من الحلقة الثانية، و711 من المرحلة الثانوية، وهذا يؤكد انخراط كل المراحل الدراسية في مجال الابتكار والإبداع، كما أفرزت مسابقات الروبوت التي نظمت خلال السنوات الماضية إلى آلاف المشاركات.


الابتكار والاختراع.. تشابك مصطلحات


أوضحت الدكتورة مريم الغاوي مديرة إدارة الموهوبين في مؤسسة حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز، أن هناك لبساً كبيراً بين الابتكار والاختراع عند عموم الناس، فالابتكار هو تطوير فكرة أو عمل أو تصميم أو أسلوب بطريقة أفضل، أما الاختراع فهو إيجاد الفكرة أو التصميم أو الأسلوب من العدم، بحيث إنه لم يكن له مثيل من قبل، وليس شرطاً أن يكون الاختراع قابلاً للتنفيذ.


وقالت: إن الشخص المبتكر هو الشخص الذي يمتلك صفات الشخصية الابتكارية، ويسعى لتحقيق حلمه وتحويله إلى شيء حقيقي ملموس يمكن الاستفادة منه ويعود بالنفع عليه وعلى المجتمع. وذكرت أن المؤسسات التعليمية تستطيع أن تنتج مبتكراً إذا كانت برامجها موجهة لاكتشاف الموهوبين والمبتكرين ومن ثم رعايتهم، ولكن في حال لم يكن لديهم آليات واضحة يمكن أن يتم فقد هؤلاء.


تحويل الأفكار إلى مشاريع إنتاجية

قال الدكتور عبد الحفيظ بلعربي رئيس جامعة الفلاح، إن الحاضنات التعليمية التابعة للجامعات والمؤسسات التعليمية والمدارس، تلعب دوراً رئيساً في تحقيق الابتكارات، وتحويل الأفكار الإبداعية إلى مشاريع إنتاجية وصناعية ناجحة، قادرة على المنافسة.


وأكد الدكتور بلعربي، أن الشراكة الحقيقية بين الجامعات والمؤسسات التعليمية والبحثية، تعد أحد أهم أدوات تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز مسيرتها المتوازنة، التي تزخر بها الدولة على مختلف الأصعدة، وذلك من خلال تبني أفكار إبداعية، لتحفيز بناء اقتصاد يعتمد على الإنتاج المعرفي.


وأشار إلى ضرورة هيكلة ثقافة المؤسسات التعليمية، بتحويلها إلى حاضنات للمبتكرين، واكتشاف المواهب الطلابية، وترسيخ ثقافة مجتمعية، تبجل المخترع والمبتكر، وتعلي من شأن قيمة المنطق العلمي، كوسيلة لتحليل المشكلات وإيجاد الحلول. مضيفاً أن تحقيق الابتكار يحتاج إلى بيئة متكاملة، تمتد من التعليم الأساسي إلى التعليم العالي، ثم مشاركة القطاع الخاص والصناعي والمجتمع، وتوفر السياسات الوطنية الداعمة للابتكار.


طرائق تعليم تواكب احتياجات سوق العمل


أكدت الدكتورة أمل إبراهيم آل علي، الأستاذة الجامعية في جامعة الشارقة، أن المناهج الدراسية، أصبحت تحرص على تبني منهجيات طرائق جديدة للتعليم والتعلم، والجامعات على وجه الخصوص، تسعى دائماً للتطلع إلى احتياجات سوق العمل، وتبين الدراسات والتقارير الصادرة عن المنظمات العالمية المعنية بأسواق العمل والقطاعات الاقتصادية، مثل المنتدى الاقتصادي العالمي، أن الابتكار والتفكير النقدي وحل المشكلات، هي أحد أهم المهارات المطلوبة لاقتصاد المستقبل.


وقالت آل علي: تبنت الجامعات منهجيات متقدمة لتدريس مهارات الابتكار، وإحدى أهم المبادرات، جعل مساق الابتكار وريادة الأعمال مساقاً إلزامياً في جميع الجامعات على مستوى الدولة، وتم إعداد هذا المساق، بالتعاون مع جامعة ستانفورد الأمريكية، المعروفة بتقدمها في مجال الابتكار وريادة الأعمال عالمياً، إضافة إلى الاهتمام الكبير من قبل الجامعات، على إنشاء حاضنات ومراكز للابتكار والإبداع، لتكون مربى وبيئة ترعى الإبداع والابتكار، وتحفز الطلبة على اكتساب وممارسة تلك المهارات، إلى جانب العديد من الأنشطة اللا صفية التي تنظمها الجامعات، وتشجع الطلبة على الانخراط فيها، كما تتعاون مؤسسات الدولة والدوائر الحكومية مع الجامعات، لتهيئة بيئة محفزة للطلاب لتعلم المهارات المختلفة بشكل عملي.


وتحدثت عن أهمية الربط بين التعليم العام والتعليم العالي، من حيث إن مخرجات التعليم الجامعي تحكمها مدخلات التعليم العام، وأن العلاقة بينهما تكاملية ومشتركة في تحسين مخرجات التعليم، وربطها باحتياجات التنمية الشاملة وسوق العمل، مؤكدة على ضرورة الاهتمام بتدريس مهارات الابتكار في المراحل التعليمية المبكرة، ذلك أن تلك المهارات تنمو مع الطالب.


مبادرات نوعية لتعزيز التعليم الذكي


أوضح الدكتور يوسف عساف، رئيس جامعة روشستر للتكنولوجيا في دبي، أن الجامعة تحرص على طرح المبادرات النوعية مثل المبادرة المتعلقة بتنظيم مسابقات لطلبة المدارس لتعزيز التعليم الذكي، تسمى «جائزة الإبداع»، لتحقيق قفزات سريعة، وتسهيل مهام وزارة التربية والتعليم، من خلال طرح تحديات معينة تواجه بعض المؤسسات لتحفيز الطلبة إلى التعلم والبحث والدراسة، لوضع حلول للتحديات، مما يؤدي إلى زيادة التحصيل العلمي، لكونها تشعل فتيل المنافسة، ليس بين صفوف الطلبة أو المعلمين، بل بين المجتمعات المدرسية كلها، لنيل نياشين التفوق.

وقال إن الجائزة توفر فرصة سانحة لطلبة فصول العاشر والحادي عشر والثاني عشر، كي يطلقوا العنان لقدراتهم ومهاراتهم، ضمن فريق عمل يجتهد ويفكر كل أفراده معاً لكي يتفردوا بشيء مختلف جديد وقابل للتطبيق على أرض الواقع، والمسابقة تركز في منطلقها على الذكاء الاصطناعي عبر إيجاد حلول نوعية مختلفة قابلة للتطبيق، كما تهدف إلى تحفيز الإبداع التفكيري لدى الطلبة ومعالجة بعض التحديات الحالية والمستقبلية لتطوير مختلف المجالات في المدن الذكية.

كما أن هؤلاء الطلبة اتخذوا من مقر جامعة روشستر في واحة دبي للسيلكون، ساحة ليتباروا في تصميم منتج أو خدمة جديدة إبداعية ومبتكرة، تسهم في معالجة بعض التحديات.

 

Email