تعددت المبررات والنتيجة: النأي نحو »السهل«

طلاب الثانوية يلجأون إلى «الأدبي» هرباً مــن تعقيدات «العلمي»

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ما بين رغبة الطالب وحاجة سوق العمل، شكل ابتعاد طلبة المرحلة الثانوية عن الدراسة في القسم العلمي ظاهرة وصفت "بالخطيرة"، في وقت يحتاج فيه السوق الى كوادر علمية مؤهلة تحقق للدولة ما تصبو إليه من ارتقاء علمي، وأيضا وصولاً إلى متطلبات استراتيجية حكومة دولة الامارات 2011/2013 ، ورؤية الامارات 2021، إذ يبقى التخوف من تفاقم الأعداد المسجلة في القسم الأدبي التي بلغت في آخر الاحصاءات 24 ألفاً و860 طالبا وطالبة بنسبة 68.9 %، بينما تدنت إلى 11 ألفاً و206 طلاب وطالبات من القسم العلمي بنسبة 31.1 %.

في حين يلوح الخبراء بأن تحقيق الاقتصاد المعرفي التنافسي يتطلب وضع أجندة وطنية لتحقيق متطلبات التنمية الصناعية، تحذير ربما لا يجد طريقاً له وسط ضعف قدرات الطلبة، والمناهج، والتقويم والامتحانات، والمعلمين، والرسوم الجامعية المرتفعة للتخصصات العلمية، فما السبيل؟

وسط ذلك تتسع دائرة الظاهرة عاما بعد عام، وتتعاظم مع ضرورة البحث في دور الاسرة، والتحفيز العلمي، والارشاد الوظيفي، وتفسير الأسباب وراء عزوف الطلاب، إلا أن الحالة كما يراها المتابعون تتطلب من الوزارة وضع حلول سريعة تخرج من الورق الى واقع ملموس وإن كانت على المدى الطويل...

للطلبة مبرراتهم

وجدت الطالبة فرح جمال الرمحي (طالبة في الفرع الأدبي)، ان الخيار الصائب هو الفرع الأدبي لأنه من وجهة نظرها الاكثر سهولة، وضمانتها للانتقال من الحياة المدرسية الى الجامعية، مشيرة الى ان غالبية الطالبات اللواتي يخترن الفرع العلمي من اجل "البرستيج" اذ يعرف بين الطلبة ان العلمي هو خيار الاذكياء فقط وأن الأدبي لمن اعطاهم الله قدرات عقلية متواضعة .

بينما شهد كمال الضو (طالبة في الفرع العلمي) تخالف زميلتها الرأي، فهي تعتقد ان الفرع الأدبي هو المجال الصعب وليس السهل لأن الفهم ابسط من الحفظ، مشيرة الى انها اختارت العلمي لزيادة فرصها في اختيار التخصصات الجامعية، اضافة الى قدرتها الذهنية على فهم المعادلات ولغة الارقام التي يهرب منها طلبة الأدبي عادة.

في حين طارق الشورى (طالب في الفرع العلمي)، أكد ان الفرع العلمي لا يجعل خياراته في الدراسة الجامعية محدودة، بل يفتح له كل التخصصات، وما ساعده في ذلك شغفه بالعلوم وقدرته على فهمها بصورة سلسة، اما الطالبة أسماء محمود في الصف الثاني عشر فتعتقد ان نظرة الطلبة للمواد العلمية وما يحيط بها من معادلات معقدة وحاجة الى قدرة ذكائية عالية هي التي تمنع بعض الطلبة من دخول العلمي فيما يبقى الأدبي خيارا اسهل لهم.

لكن اليوم عند وضع القضية في مكيال المدرس، يلاحظ أن اختيار الطلاب بين الفرعين يخضع لمعيار "السهولة"، إذ عزا بلال عناني (معلم كيمياء) عزوف الطلبة عن الدخول في القسم العلمي، الى سببين: الاول: أن القسم العلمي يحتاج إلى مجهود كبير، وتشجيع ورعاية متواصلين ومن جميع الأطراف في البيت والمدرسة.

ويحتاج إلى طالب ذي جهد ذاتي كبير وهذه النوعية من الطلبة هي التي خبرناها أثناء العمل، والثاني: أن كثيرا من الطلبة يعتقدون بأن القسم الأدبي يكفي لتلبية طموحاتهم المستقبلية وبأقل جهد ممكن وفقا لوجهات نظر بعض الطلبة..

ويرجع كذلك عبدالكريم الأسطل (موجه تقنية المعلومات بمنطقة عجمان التعليمية) سبب عدم إقبال الطلبة والطالبات على الالتحاق بالقسم العلمي لعدة أسباب اهمها نفور الطالب في مرحلة التعليم الاساسي من الرياضيات والعلوم، إضافة إلى ثقافة الطالب التي بنيت على أن المواد العلمية صعبة والتفوق والنجاح فيها أحيان كثيرة صعب المنال.

وآخر يتمثل بعدم وجود طموح لدى الطالب لدراسة التخصصات العلمية في الجامعة، مشيراً إلى أن الطالب يحتاج إلى التحفيز لدراسة التخصصات العلمية كالطب والهندسة والعلوم، وتبدأ في المراحل المبكرة من عمر الطالب، بالإضافة لتحويل المناهج العلمية لأخرى يوجد فيها من التشويق ما يشجع الطالب على دراسة المواد العلمية، وهو ما تقوم عليه الوزارة بتحويل المناهج من اسلوب التلقين إلى التشويق، وربطها بالحياة اليومية للطالب.

سهل

ويميل الطلبة بحسب المعلمة فداء المصري (معلمة فيزياء) لكل ما يدرج تحت لفظ "سهل" وبالتالي فإن التوجه للأدبي كبير لأنه لا يريد ذكاء بقدر ذاكرة حفظية، مضيفة: ان افتقار المدارس لمختبرات علمية متكاملة لإجراء التجارب وتحويل المواد العلمية إلى مواد «حفظ وتلقين»، تجعل الطالب خاصة الذكي ينفر من المادة، لأنه يدرك بفطنته ان المادة ليست تاريخا مثلا بل تحتاج الى تطبيقات وتجريب، ما يجعله ينفر.

وذكرت ان هناك انطباعا راسخا لدى أغلبية الطلبة ان سوق العمل بات مختلفا اليوم، وأن الطبيب لا يجد قوت يومه بعكس من يتجه الى التجارة وعالم المال والاعمال، اضافة الى اعتقادهم الخاطئ بأن إتقان الانجليزية والالتحاق بدورات متخصصة سيجعلهما على كفاءة لخوض أي مجال.

عماد البلد

ما سبق يدلل على معطيات كثيرة حتى وإن كان معيار المعلم لا يكيل للطالب، لذا فإن ترك الأمر دون وضع حلول عملية او تصويب سيفقد المجتمع كفاءات كثيرة بحسب المدرس محمد حامد (تخصص علوم)، ويتابع: إن هذه الكفاءات هي قوة علمية وعقلية مهمة، بالتالي ستتأثر مختلف القطاعات باعتبار أن عماد أي بلد هو الصناعة، وهذا القطاع لا يبنى إلا بالعلم وبالكوادر العلمية والفنية المؤهلة، وذلك ما يستدعي وضع خطط تمكن الطلبة من المواد العلمية ليس في المرحلة الثانوية وإنما منذ الصغر وتوجيهه بصورة سليمة وممنهجة.

وبالمقابل تحذر سوسن عبد الفتاح مديرة مدرسة الشارقة الدولية من انخفاض اعداد الطلبة في الفرع العلمي خلال السنوات المقبلة، ما يعيدنا الى نقطة الصفر وهي استقطاب خبرات أجنبية لإدارة مجالات حيوية ومهمة في المجتمع لندرة المتخصصين في هذه المجالات، وهو ما لا نريده نحن، إذ نسعى الى إيجاد كوادر بشرية وطنية مؤهلة في التخصصات كافة.

ومن واقع خبرتها الطويلة ترى ان الطالب يبحث حاليا عن كل ما هو سهل والمواد العلمية تشكل تحديا لهذه النوعية من الطلبة، ولو تم تحديد مسار الطالب بحسب امكانياته قبل المرحلة الثانوية لاستطعنا ان نحول العزوف الى نقطة جذب للقسم العلمي وإعادة التوازن بين الفرعين.

تكاليف باهظة

وبالعودة إلى الأسباب يرى الدكتور خالد الدرباشي (مشرف القسم العلمي في مدارس الشعلة بالشارقة) أن هناك عدة أسباب تضافرت وأدت إلى هذه المشكلة، ومنها النظام التعليمي بما فيه المناهج وطرق التدريس، ووسائل التقويم، وسوق العمل، وعدم قدرة الكثير من أولياء الأمور على توفير الرسوم الدراسية لأبنائهم الراغبين في الانخراط في تخصصات علمية كالطب والهندسة وهي باهظة جدا، وتشكل عقبة أمام مئات الطلبة الذين تضيع أحلامهم بسبب العجز المادي، مشيرا الى ظهور شريحة من الطلبة تميل الى كل ما هو سهل ولا يحتاج الى مجهود، رغم ان مواد الأدبي اكثر من العلمي، فيما يختار البعض بناء على رغبة مشتركة مع الاصدقاء .

إلا أن الاسباب كما يستعرضها الدكتور الدرباشي متشعبة، لكنه يرى ان تأثيرها سيكون "كارثيا" لأن الجامعات ستواجه معضلة ندرة طلبة التخصصات العلمية فيما سارعت جامعات اخرى لفتح باب القبول لبعض التخصصات لطلبة الأدبي وقد كانت مقتصرة على العلمي للتغلب على ظاهرة العزوف، ما أضعف خريجي التخصصات تلك.

أجندة تعليمية

لكن الأمر لدى الأكاديميين يختلف، وينظرون إليه من زاوية أخرى، أقلها إن الوضع اليوم بحاجة إلى أجندات تعليمية واضحة فيها ألف باء الحلول فقط، وهذا ما دعا إليه الدكتور منصور العور رئيس جامعة حمدان بن محمد الالكترونية، وقال: "لا بد من وجود اجندة تعليمية واضحة من قبل الجهات العليا تتضمن تحفيز خريجي الكليات العلمية والنظر في رواتبهم والحوافز المادية، بهدف تشجيع الطلبة المواطنين على الالتحاق بالتخصصات العلمية، إذ تحتاج الدولة إلى كوادر مواطنة في جميع فروع الصناعات والهندسات ومختلف التخصصات العلمية لتحقيق هدف التنافسية والوصول إلى أفضل المراكز على مستوى العالم.

وأضاف ان هذا الأمر يتطلب تضافر جهود جميع الجهات على كافة المستويات لدعم هذا التوجه، وأن وزارة التربية والتعليم عليها القيام بنشر ثقافة العلوم الاساسية "الرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، والأحياء"، وتطوير طرق تدريسها منذ المراحل التعليمية الأولى وهذا الامر مرتبط بوزارة التربية.

الوزارة

وأشار العور إلى أن وزارة التربية والتعليم هي الجهة المعنية الأولى بهذا التوجه وتأخذ دور "الدينمو" المحرك في السياسات العليا التي تضعها الدولة فيما يخص الاستفادة من الكوادر الوطنية، وعليها وضع آليات وبرامج لنشر ثقافة العلوم الاساسية، وجذب الطلبة إليها بين أولياء الامور والطلبة وجميع أطياف المجتمع، ونحن اليوم بتنا في أمس الحاجة إلى زيادة جرعة هذه الثقافة على جميع المستويات لأنها لا تزال ضعيفة.

فيما يقول عبد اللطيف الشامسي (مدير عام معاهد التكنولوجيا التطبيقية): إن ثمة فجوة كبيرة ما بين الجانبين النظري والتطبيقي، والمادة العلمية اصبحت اليوم مادة جامدة منعزلة عن الجانب التطبيقي ونحن إذا تعاملنا مع جيل التكنولوجيا فإنه سينأى بنفسه عن الالتحاق بالمواد العلمية بسبب هذا الجمود ، والمطلوب هنا وضع آليات لربط الجانبين النظري والتطبيقي بأسلوب تدريسي جاذب، سواء في ورش العمل أو المختبرات العلمية في المدارس وتوفير الفرص التدريبية في مؤسساتنا الصناعية لطلبة المرحلة الثانوية.

فالمزج بين الجانبين ووجود الفرص التدريبية التي تهيئ الطالب وتثير اهتماماته، وتحويل المادة العلمية من مادة جامدة إلى مادة مشوقة وجاذبة للطالب ستقلص تسرب الطلبة إلى القسم الأدبي ويسهم في رفع نسبتهم في القسم العلمي ، وهذا الامر يتحقق من خلال وجود استراتيجية وتكامل بين المؤسسات العلمية والصناعية.

متطلبات التنمية

الدكتور العور يرى أن دولة الامارات تزخر بالمؤسسات الصناعية في شتى المجالات، ويجب تفعيل دور تسويق المؤسسات العلمية ذات الطابع العلمي كالصناعة والطاقة والبترول وغيرها بشكل أفضل لتشجيع الطلبة المواطنين على دراسة هذه التخصصات والالتحاق بتلك المؤسسات .

وقال العور: "إن احدى أهم أولويات استراتيجية حكومة دولة الامارات 2011/2013 ، اقتصاد معرفي تنافسي، وأن رؤية الامارات 2021 تقوم على أن نكون من أفضل دول العالم بحلول عام 2021 ، وهذا الامر لن يتحقق إلا من خلال الكوادر الوطنية، ووجود سياسة متكاملة تتشارك فيها جميع الجهات وإلا ستبقى وزارة التربية والتعليم عاجزة عن تحقيق متطلبات التقدم لتحقيق هذه الرؤية .

وذاك ما يشير إليه الدكتور الشامسي: "إن تسرب الطلبة إلى القسم الأدبي لن يحقق متطلبات التنمية الصناعية في دولة الامارات، سواء فيما يتعلق باستراتيجية الحكومة الاتحادية ورؤية الامارات 2021 أو الرؤية الاقتصادية 2030 لإمارة أبوظبي ، لأن الاساس.

فيها خلق جيل من الشباب في المجال العلمي والتقني الذي يساعد في النهضة الصناعية في الامارات، بحيث يتم تقليص الاعتماد على البترول كمصدر دخل في الامارات من خلال الصناعات الحديثة والتقنية ، والامارات اليوم تستثمر بشكل كبير في مجالات الطاقة النووية وأشباه الموصلات وصناعة الطيران والبتروكيماويات إلى جانب النفط والغاز وهذه الاستثمارات تحتاج إلى كوادر وطنية لها قدرات وكفاءات تقنية وتتمتع بمهارات عالية لتشغيل هذه المشاريع الضخمة وضمان استمراريتها في الدولة، فضمان الديمومة يأتي من خلال وجود الايادي الوطنية الفنية .

ويؤكد ذلك الدكتور حسام سلطان العلماء (مدير الهيئة الوطنية للبحث العلمي)، بالقول: "إن غالبية الطلبة يلتحقون بالقسم الأدبي وهذا بحد ذاته مؤشر خطير يدل على عزوف الطلبة على الالتحاق بالقسم العلمي، وهذا الامر ينعكس سلبا على الخطط الاستراتيجية للدولة في الوصول إلى اقتصاد تنافسي، ولا يحقق متطلبات التنمية في الامارات خاصة وأن الدولة اليوم تتجه إلى التخصصات العلمية وبحاجة إلى كوادر مواطنة في تخصصات الهندسة بجميع فروعها إلى جانب التخصصات النووية والطاقة المتجددة".

إلا أن الدكتور الشامسي أكد أن أحد أهم اسباب هذا التسرب الخلل في الارشاد الوظيفي والمهني للطالب في التعليم العام، وهذا لا يتوقف على المؤسسات التربوية وإنما ينسحب على المؤسسات الصناعية.

مؤشرخطير

ولكن دولة الامارات ممثلة بالقيادة الرشيدة والوزارات المعنية والمؤسسات الاكاديمية بذلت ولا تزال تبذل جهودا كبيرة في علاج هذ المعضلة التي تتسبب في تكدس الطلبة في بعض التخصصات على حساب تخصصات اخرى ، في وقت نحتاج فيه إلى التخصصات العلمية وتخريج كوادر وطنية لتقود مسيرة التنمية العلمية والصناعية في الدولة، بحسب الدكتور العلماء.

ويشير العلماء هنا إلى أهمية التواصل بين المؤسسات الاكاديمية وسوق العمل للوقوف على احتياجات هذا السوق والتخصصات التي تتوفر فيها الفرص الوظيفية، ويرى أن هذا الامر يتطلب تغيير وتعديل الخطط والبرامج التعليمية بما يحقق هذه الاحتياجات وتشجيع الطلبة على الانخراط في القسم العلمي من خلال ايجاد بيئة تدريسية جاذبة للمواد العلمية والاهتمام بالربط بين الجانبين النظري والتطبيقي لتحفيز الطلبة المواطنين إلى دراسة التخصصات العلمية بما يخدم تنفيذ استراتيجية حكومة الامارات.

إشكالية مزمنة

البروفيسور عبدالله الشامسي (مدير الجامعة البريطانية في دبي)، قال: "إن تسرب الطلبة إلى القسم الأدبي إشكالية مزمنة في دولة الامارات والكثير من الطلبة ينظرون إلى أن القسم العلمي صعب ويختارون القسم الادبي لأنه أكثر سهولة ، والحقيقة لا توجد استراتيجية لتشجيع الطلبة للالتحاق بالقسم العلمي ودور وزارة التربية والتعليم هنا غائب في التوازن بين القسمين.

إضافة إلى عدم وجود بيئة تعليمية محفزة لجعل الطالب يلتحق بالقسم العلمي وبالتالي دعم التخصصات العلمية، فضلاً عن ذلك فإن الاهتمام بالعلوم الاساسية ضعيف، وهذا الامر تسبب في عزوف الطلبة عنها، والحقيقة أن التخصصات العلمية جاذبة للطلبة إذا توفرت بيئة تعليمية سليمة وجاذبة لها، فالطلاب في المراحل العمرية الصغيرة يحبذون التعامل مع الاشياء بشكل نظري وتطبيقي على حد سواء، ويتطلب هذا الامر وجود مختبرات مجهزة بأحدث التقنيات وبيئة تعليمية تجذب الطلبة .

وتابع: "بيئة العمل لها دور كبير في عملية جذب المواطن للتخصص العلمي ويجب النظر إليها بحيث تكون محفزة في سوق العمل لخريج العلوم التطبيقية والتخصصات العلمية، والكثير من دول العالم أعادت فتح ملف العلوم التطبيقية وتستثمر فيها والابحاث المتعلقة بها لدفع الطلبة للالتحاق بها.

وهذا الأمر يعزز من القدرة التنافسية للدول، فالاقتصاد التنافسي يركز على التخصصات العلمية بجميع فروعها وعلى دعم الابحاث العلمية والبيئة التعليمية ويكفي أن نذكر أن معظم المنح الدراسية تعطى لطلبة التخصصات العلمية .

مستقبل الدولة

الدكتور محمد عبد الرحمن (مدير كلية الدراسات الإسلامية والعربية) يرى أن مستقبل الامارات في الصناعة يصب في الاهتمام بهذا القطاع، وهذا بدوره يتطلب توفير الكوادر الوطنية المؤهلة لسد احتياجات سوق العمل، وانخفاض نسبة الطلبة الملتحقين بالقسم العلمي في التعليم العام لن يلبي تطلعات الدولة وطموحاتها في مجال التنمية، وهذا الامر مرتبط بعدة جهات:

أولياء الأمور الذين يتوجب عليهم متابعة ابنائهم وتوجيههم للطريق الصحيح منذ الصغر وترغيبهم بالتخصصات العلمية، إضافة إلى توفير بيئة تعليمية مناسبة من قبل الجهات التعليمية تشجع الطلبة على الالتحاق بالقسم العلمي وتربط بين الجانبين النظري والتطبيقي لتواكب النهضة والتطور الذي حققته دولة الامارات. وأشار الدكتور عبد الرحمن إلى أهمية الإرشاد المهني في مدارس التعليم العام وعدم اقتصارها على الجامعات، وهذا الامر يعتبر خطوة أولى للحد من عزوف الطلبة وتسربهم إلى القسم الادبي .

وقال: ثمة أمر آخر يتعلق بشراكة متبادلة بين المؤسسات الصناعية والمؤسسات التعليمية في اطار مؤسسي وفتح الباب أمام الطلبة للتدريب العلمي واستغلال فترة الصيف والاجازات وتقديم الدعم للطلبة واحتضانهم وتدريبهم منذ المرحلة الثانوية، الأمر الذي يسهم في تطوير عقلية الطالب وفتح الآفاق امامه .

تخطيط سليم

الدكتورة حصة لوتاه (استاذ مساعد في قسم الاتصال الجماهيري في جامعة الامارات) تقول: إن الحديث عن تسرب الطلبة إلى القسم الادبي في التعليم العام مسألة ترتبط بوضع خطة استراتيجية من قبل الدولة لدراسة اسباب هذه المعضلة لتصحيح المسار لتفادي ارتفاع مؤشر هذا التسرب، والمفترض هنا أن تبنى الخطط على التخطيط السليم منذ المراحل الدراسية الاولى.

وأن توجد آليات لإنجاح هذه الخطة من بينها وسائل الاعلام والمطالبة بتصحيح المفهوم الخاطئ لفكرة سادت في التعليم العام ليس على مستوى الدولة فحسب وإنما في الوطن العربي والتي تتمثل في أن التخصص الادبي اسهل ويلتحق به الطلبة الاقل ذكاء، وهذ الامر غير صحيح، ونحن في دولة الامارات نحتاج إلى دراسات ومعرفة الاحتياجات الحقيقة للكوارد والتخصصات التي نريدها، وبناء على هذا الامر يتم بالتخطيط في التعليم.

وأضافت الدكتورة لوتاه أنه يجب وضع خطة مرتبطة بالأهداف الوطنية نستقرئ من خلالها كيف نرى الدولة بعد عشرين سنة، وأن التخطيط السليم ووضع الآليات والمحركات التي توصلنا لتحقيق هذه الاهداف ، والحقيقة نحن نحتاج إلى تخصصات علمية وبنفس الوقت لتخصصات ادبية ، ويفترض تأهيل المعلمين ووضع برامج وآليات لجذب الطلبة إلى القسم العلمي .

من جهته قال الدكتور احمد عنكيط (نائب الرئيس للعلاقات الخارجية والشؤون الثقافية بجامعة عجمان): ان الجيل الحالي من الطلبة يستسهل المواد الأدبية ويجد في العلمية صعوبة، لأنها في ظنه تحتاج الى مزيد من الجهد والاستذكار.

لذلك يتجه الى القسم الأدبي بعيدا عن الرياضيات والفيزياء، لافتا الى ان سوق العمل يتلقف الخريج الأدبي بكل يسر، لذلك نجد الطالب الأدبي يدخل سوق العمل واضعا نصب عينيه القسم الأدبي حتى يتخرج ويضمن وظيفته دون عناء وجهد عكس الخريج العلمي الذي يبذل جهدا مضاعفا حتى يحصل على درجات عليا، وهذا ما جعل الطلبة يقبلون على القسم الأدبي، مبينا في الوقت ذاته أن ذلك لا يشكل تحديا بالنسبة للكليات العلمية في مختلف الجامعات، وانه في الوقت الحالي هناك اقبال كبير من الطلبة على كليات طب الاسنان والصيدلة والهندسة وهم في تزايد مستمر.

إعادة التوازن

منى شهيل نائب مدير منطقة الشارقة التعليمية ترى ان الحاجة ملحة من اجل العمل على إعادة التوازن في توجهات الطلبة بين القسمين (العلمي والأدبي)، بما ينسجم مع احتياجات ومتطلبات سوق العمل للتخصصات والوظائف العلمية المطلوبة، مشيرة الى ان ظاهرة العزوف عن الالتحاق بالفرع العلمي هو أمر واضح، لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما الحلول لتطويق المسألة؟ مطالبة برعاية الطلبة في المراحل الأساسية لمعرفة توجهاتهم ومستوياتهم قبيل الانطلاق نحو الفرع العلمي أو الأدبي، لمنعهم ايضا من التخبط في الاختيار،

وقال علي ميحد السويدي وكيل وزارة التربية والتعليم بالإنابة ان الاقبال على الفرع الأدبي اكثر منه على العلمي له تراكمات ثقافية لا زالت تحكم توجهات بعض الطلبة الذين يختارون بناء على ما تختاره الجماعة او الاصدقاء، ويستطرد: ان الوضع تغير الآن وتحسن بصورة ملحوظة نتيجة لوعي وثقافة اولياء الامور الذين يدركون متطلبات سوق العمل والآليات الصحيحة التي يوجهون من خلالها أبناءهم، مستندين إلى قدراتهم الذهنية ومدى حاجة سوق العمل، مشيرا الى ان وزارة التربية والتعليم تنبهت للمسألة وبدأت بتطبيق نظام الارشاد.

حيث يقوم عدد من المرشدين بزيارة المدارس وتعريف الطلبة باحتياجات سوق العمل، اضافة الى زيارات لشركات مثل طيران الامارات ودوبال وادنوك حيث يتم تعريف الطلبة بالفرع الذي ينبغي عليهم الالتحاق به للحصول على وظائف لديهم، ما يجعل الطالب اكثر قدرة على تحديد اتجاهاته بوقت كاف، مؤكدا ان زيارات المرشدين اسهمت في رفع نسبة الاقبال على العلمي وخلق نوع من التوازن بيد ان كل شيء يحتاج الى وقت.

 

 

 

فاطمة المري : نظامنا التعليمي لا يدرب الطالب على اتخاذ القرار

 

قالت فاطمة غانم المري الرئيس التنفيذي لمؤسسة التعليم المدرسي في هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، إن النظام التعليمي في الامارات لا يدرب الطالب على اختيار القسم الادبي أو العلمي، وبالتالي فالطلبة غير مدربين على مهارات اختيار القرار، وأن المدارس تفتقر إلى وجود مستشارين مهنيين وقلة عدد الاخصائيين الاجتماعيين الذين يناط بهم مهام كثيرة في المدرسة إلى جانب عملهم وقد نجد في مدارس يزيد عدد طلابها على 400 طالب اخصائي اجتماعي واحد .

واضافت إن نظامنا التعليمي لا يوجد فيه مواد اختيارية يدرسها الطالب ليلتحق بالتخصص الذي يرغبه فيما بعد في الجامعة، والطالب يعاني من ارتباك في اتخاذ القرار بالنسبة للالتحاق بالقسم العلمي أو الادبي وكذلك الأمر بالنسبة للتخصص الجامعي، وعندما قابلنا طلبة من الجامعات في دبي لمسنا هذه الاشكالية وثمة طلبة يقومون بتغيير تخصصاتهم خلال الدراسة الجامعية ويخسرون سنة من عمرهم بسبب الاختيار غير الصحيحح للتخصص الذي يرغبون دراسته .

 

 

عبد اللطيف الشامسي: القيادة أولت التعليم اهتماماً لبناء قاعدة صلبة للاقتصاد

 

قال الدكتور عبد اللطيف الشامسي مدير عام معاهد التكنولوجيا التطبيقية، إن القيادة الرشيدة أولت التعليم اهتماما كبيرا لبناء قاعدة صلبة للاقتصاد المعرفي في دولة الإمارات، وثمة تجارب ناجحة لتحقيق رؤية الحكومة من بينها تجربة معاهد التكنولوجيا التطبيقية التي طبقت هذه الرؤية من خلال الربط بين الجانبين النظري والتطبيقي في ثانويات التكنولوجيا التطبيقية، واستطاعت هذه الثانويات جذب أعداد كبيرة من الطلبة، ويكفي أن نذكر أنه في عام 2007 كان عدد الطلبة لدينا 2300 طالب وطالبة واليوم اصبح العدد 4500 طالب وطالبة.

والسبب في ذلك وجود البيئة الجاذبة لالتحاق الطالب المواطن بالتخصصات العلمية، والفضل في ذلك لرعاية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وحرصه الدائم على ايجاد نموذج ناجح في التكامل بين المؤسسات التعليمية والصناعية، وأن تتواكب مخرجات المؤسسات التعليمية مع احتياجات المؤسسات الصناعية من الكوادر المواطنة وتشجيعها على التوطين .

 

 

ابراهيم الحمر: عزوف الطلاب عن أقسام العلمي يعود إلى فهم مغلوط

 

 

أكد تربويون أن عزوف الطلاب عن أقسام العلمي وانكبابهم على الأدبي والعلوم الانسانية مرده الى فهم مغلوط لدى بعض الطلبة بأن القسم الأدبي أكثر سهولة ولا يحتاج الى الجهد الكبير كما في القسم العلمي، اذ يقول ابراهيم الحمر (رئيس قسم العمليات التربوية بمنطقة أم القيوين التعليمية):

إن السبب الذي يجعل الطلبة يبتعدون عن القسم العلمي هو سهولة الأدبي في اعتقادهم وأنه بإمكان الطالب الاستغناء عن المعلم في كثير من المقررات ولا يحتاج الى دروس خصوصية كما في العلمي ، مبينا ان كلا القسمين يحتاج الى جد واجتهاد ومثابرة، لأن امتحانات الأدبي تتضمن مادة الأحياء والفيزياء ، لافتا في الوقت ذاته الى ان نسب الاقبال على القسم العلمي مقارنة بالأعوام الماضية في تراجع بشكل ملحوظ وأن الإحصاءات تشير الى أن أعداد الطلبة والطالبات من القسم الأدبي المتقدمين لامتحانات الثانوية في الفصل الدراسي الثاني من العام الجاري تعد أكثر من طلبة القسم العلمي، البنين والبنات.

وأضاف أن الأمر يحتاج الى عمل استبيان لرصد اقبال طلبة الأدبي نحو العلمي ولماذا يتوجهون اليه خاصة أن الأدبي يحتاج الى المزيد من الحفظ عكس العلمي في معظم المواد ، اضافة الى أن هناك تزايدا في عدد طلبة الأدبي مقارنة بالعلمي في مدارس ام القيوين ، مبينا ان عدد طلبة العلمي في الفصل الدراسي الاول من العام الجاري كان عددهم 135 طالبا وطالبة.

وفي الفصل الدراسي الثاني أصبح 130 طالبا وطالبة بانخفاض قدره 5 طلاب ، لافتا في الوقت ذاته الى ان طلبة العلمي خلال العام الدراسي الجاري يبلغ عددهم 130 طالبا وطالبة وعدد طلبة الأدبي 394 طالبا وطالبة بزيادة قدرها 264 طالبا وطالبة على العلمي .

 

غياب واضح لدور الأسرة

 

أكد جاسم القعود «مدير مدرسة الأمير للتعليم الثانوي بأم القيوين» أن هناك الكثير من الطلبة تجد درجاتهم العلمية أفضل من الأدبي ولكن يفضلون القسم الأدبي وذلك من اجل الحصول على نسب اكبر في الأدبي، ما يؤهلهم الى دخول الجامعات وكذلك منافسة أصدقائهم في العلمي بسوق العمل في مختلف الدوائر لأنها في معظمها تنظر الى النسبة لا التخصص ، وبذلك يحصل طالب الأدبي بأقل مجهود على ما يريد.

وأضاف ان دور الاسرة غائب عن التوجيه وتترك الطالب على هواه ويختار ما يشاء من القسمين، ما يجعله يدخل في مرحلة التجريب التي يسمح بها القانون وهي منذ بداية العام وحتى نهاية اكتوبر من الفصل الدراسي الاول، مبينا أنه لا بد من عمل اختبارات للطلبة في المواد العلمية والأدبية ومن ثم ادخاله في القسم المناسب.

 

 

 

ضعف متراكم

 

 

أما محمد البيك (موجه مادة اللغة العربية بمنطقة أم القيوين التعليمية)، قال: "إن 95 % من طلبة القسم الادبي يدخلون للقسم ليس رغبة منهم ولكن نتيجة للضعف المتراكم في المواد الاساسية كاللغة العربية والرياضيات واللغة الانجليزية وأن 5 % يدخلون القسم بقوة لأن تحصيلهم الدراسي جيد، الأمر الذي يصرف الطلبة عن القسم العلمي الذي يحتاج الى التفكير وإعمال العقل وبالتالي يفضلون الأدبي ويحجمون عن العلمي. ويضيف جاسم فايز (مدير مدرسة حاتم الطائي للتعليم الاساسي والثانوي بأم القيوين) أن هناك ثقافة شائعة بين الطلبة .

وهي ان القسم العلمي توجد به صعوبة في المواد كافة حتى في حال تغيير المنهج وتخفيفه ما دفع 65 % من الطلبة اختيار الأدبي رغم انه يعتمد على الحفظ في كافة المواد الدراسية ، لافتا الى انه لا بد من تحفيز طلبة العلمي وتشجيعهم وتبنيهم من خلال عمل المحاضرات التثقيفية ابتداء من الصف العاشر تبين لهم اهمية الولوج الى القسم العلمي لما له من اهمية، اضافة الى تخصيص كليات معينة لا يدخلها الا طالب العلمي، وكذلك تخصيص بعثات تعليمية لهم من اجل استقطابهم.

 

 

الأرقام تتحدث

 

تشير الاحصاءات الصادرة عن منطقة عجمان التعليمية ان عدد طلبة الحادي عشر في القسم الادبي 746، أما في العلمي فلا تتجاوز 339، فيما يبلغ عدد طلبة الثاني عشر في الفرع الادبي 939، ولا يتجاوز عند نظرائهم في العلمي 391، أما في تعليمية الشارقة فتشير الاحصائية الخاصة بطلبة الثاني عشر ان عدد طلبة الفرع العلمي في مدارس التعليم الحكومي ذكورا وإناثا 780 طالبا وطالبة، وفي الأدبي 1389، بينما لم يسجل أي طالب في تعليم الكبار بالفرع العلمي وقابله بالأدبي 436 طالبا وطالبة ..

Email