قانونيون يطالبون بتغليظ عقوبات المجرمين

دعوة لتشريع يُلزم بتأهيل العمالة المنزلية اجتماعياً

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أعادت قصة الطفلة سلامة فتح ملف العمالة المنزلية، الأمر الذي يصنفه كثيرون بأنه كارثة اجتماعية بكل المعايير، فإمارة الشارقة التي شهدت العام الماضي حادثة حرق الطفل عموري بمادة كاوية على يد خادمة المنزل أدت إلى تشويه معالمه وإذابة العظم في الجزء الإيمن من جسمه، استفاقت على جريمة تعذيب طفلة لم تتجاوز 9 أشهر على يد الخادمة أدت إلى كسر في جمجمتها أدخلتها في غيبوبة تامة.

إعادة نظر

ورغم أنه لم تتضح بعد تفاصيل ودوافع الخادمة لارتكاب جريمتها بهذه الطريقة، لكن الواقعة فتحت ملف جرائم الخدم وارتفاع الأصوات المطالبة بتغليظ العقوبات بحق هذه الفئة خاصة أن كانت الجريمة المرتكبة بحق طفل بشكل خاص، كما طالبت هذه الأصوات بعدم شمول جرائم الخدم بالعفو الذي تصدره الدولة بمناسبات دينية ووطنية واستثناءهم منها كي يدفعوا ثمن ما اقترفته أيديهم.

نخب قانونية أكدت أن السرقة والاعتداء اللفظي والجسدي تتصدران جرائم الخدم في أروقة المحاكم، مطالبين باستحداث آليات جديدة لاختيار العمالة المنزلية وعدم الاكتفاء بصورة من مكتب جلب الخدم لتحديد كفاءة الخادمة من عدمها، وإلحاق من يتم استقدامهم بدورات تدريبية قبل بدء العمل لتأهيلهم بشكل صحيح.

تنوع الجرائم

وأوضح الدكتور علي كلداري قاضي في محكمة استئناف دبي أن جرائم الخدم تتنوع ما بين سرقات، اعتداءات، هروب من كفيل أو هتك عرض بالرضا إلا أن الأخطر على الإطلاق هي حالات الاعتداء التي يكون ضحيتها في الغالب أطفالاً، عازياً هذا السلوك العدواني إلى الانتقام من سوء المعاملة أو للحالة النفسية التي تعاني منها الخادمة، ففي حالة رضيعة الشارقة يعتقد كلداري بوجود علة نفسيه لدى الخادمة لأنه لا يعقل لإنسان سوي أن يعتدي على رضيعة لم تتجاوز التسعة أشهر من العمر.

وأضاف: يجب أن ندرك أن الخادمة حسب العقد المبرم بينها وبين الكفيل موظفة لأداء مهام معينة تقوم بها بينما الكفيل يؤدي ما عليه من واجبات تجاهها حسب العقد وأبرز ما عليه عدم استعبادها، ومعاملتها إنسانياً وبالتأكيد منحها كامل حقوقها المادية.

وأشار كلداري إلى أنه يتوجب على الأهل أن يكونوا أكثر قرباً من أبنائهم ليتمكن الطفل إطلاع أسرته بكل ما يحدث معه في حال وجود خادمة برفقة أطفال في المنزل عبر تركيب كاميرات مراقبة مع التواصل المستمر مع الأبناء سواء أطفالاً أو مراهقين و يفترض بذلك التواصل أن يكون المؤشر الأول للأهل في حال وجود أي خلل فلابد أن أي أم أو أب قادر على التقاط أي تغيير في السلوك لدى أبنائهم.

أسباب

أما محمد عبدالعزيز عبدالله آل عمر رئيس نيابة مساعد في النيابة العامة بدبي، فقد قسم جرائم الخدم إلى جرائم واقعة على الأشخاص مثل الاعتداءات الجسدية و القتل وجرائم واقعة على المال، مثل السرقة وجرائم أخرى تشمل هتك العرض

والهروب والتجسس وإفشاء الأسرار وغيرها من الجرائم، مشيراً إلى أن أكثر عدد هي جرائم السرقة إلا أن الأكثر خطراً هي الاعتداءات بأشكالها وعلى وجه الخصوص تلك التي تستهدف الأطفال كونهم الحلقة الأضعف.

ويلخص آل عمر الأسباب التي تؤدي إلى مثل هذه الجرائم وتشمل اختلاف ثقافات الخدم، وسوء المعاملة وما يصاحبه من إهانات ربما لفظية أو جسدية الأمر الذي يولد عندها رغبه في الانتقام..

إضافة إلى انشغال بعض الأهل عن الأولاد وتركهم للخدم من دون رقابة، أضف إلى ذلك الحالة النفسية والمادية للخادمة، مستوى التعليم، ضغوط العمل، وأحياناً تكون الخادمة من الأساس شخصية عدوانية غير مؤهلة نفسياً في التعامل مع الأطفال فتقوم بتوبيخهم أو الاعتداء عليهم لإسكاتهم وتخويفهم، وقد يتعرض كبار السن الذين يحتاجون لعناية خاصه لما يتعرض له الأطفال من اعتداءات وإهانات من قبل الخدم المشرفين على رعايتهم.

الرعاية الأمثل

ونصح رئيس نيابة مساعد في النيابة العامة بدبي الأم عاملة أو ربة منزل بأن تتبنى دوراً أكبر في حياة أولادها وتكشف بشكل دوري على أجسادهم للاطمئنان، ومنح الخدم حقوقهم المادية كاملة، ومراقبة سلوكهم، ومعاملتهم بشكل إنساني وعدم إغراقهم بأعباء العمل إلى جانب العناية بالأطفال، علاوة على تعزيز التواصل مع الأبناء وكسب ثقتهم عبر قنوات حوار مفتوحة تشجعهم على إخبار الأهل بما يستجد في حياتهم.

بالإضافة إلى ذلك، إيجاد قنوات تواصل مع الخادمة نفسها ومحاولة حل مشاكلها الشخصية كي لا تنعكس نتائجها على الكفيل وعائلته والحرص على تمكين الخادمة من التواصل مع أهلها بشكل دوري لنقلل من أحساسها بالوحدة والغربة.

حالات متكررة

وتحدثت الدكتورة هبة رستم الاستشارية النفسية والخبيرة الأسرية في أكاديمية آسيا للاستشارات عن إيذاء الخدم للأطفال على اعتبار أنها ليست حالة فردية بل متكررة الحدوث على اختلاف أشكالها..

وذكرت أن وظيفة الخادمة التعامل مع الأشياء وليس الأشخاص بمعنى عدم إيلاء مهمة الاعتناء ورعاية الأطفال للخادمة فالمفروض وجود مربية، مطالبة الأمهات العاملات بانتقاء شخصية متعلمة وأن يكون الاختيار ليس عن طريق صورة تختارها في مكتب جلب العمالة.

وقالت إن حالات العنف ضد الأطفال سببها إيلاء شؤون الأطفال لمن ليسوا أهلاً للقيام بها مطالبة بسن تشريع أو قانون يلزم بأن تكون جليسة الطفل مؤهلة تأهيلًا تعليمياً واجتماعياً وليست من ترعاه الخادمة المسؤولة عن نظافة المنزل، واقترحت أن يكون هناك رخصة للمربيات لا تمنح إلا باجتياز دورات تدريبية حول مراحل نمو الطفل وسيكولوجيته.

وطالبت بعدم الخلط بين الخدم والرعاية والتربية لأن الأخيرة منوطة بالأسرة وربة المنزل عليها أن لا تترك الرعاية الكاملة لغيرها، وذكرت أن بعض الأمهات بحاجة إلى دورات لمعرفة إذا ما كان طفلها يتعرض للعنف، وعليها تفقد جسده بشكل دائم ومراقبة نومه.

حقوق مشروعة

وتحدث العقيد علي النداس مدير إدارة الشرطة المجتمعية بشرطة الشارقة عن الحاجة لوجود خادمة في المنزل لكنه في الوقت نفسه طالب بإعطاء الحقوق المشروعة للفئات المساندة للمنزل كالراتب والإجازات المستحقة فخلاف ذلك يجعلهن في حالة نفسية غير مستقرة كما شدد على ضرورة ملاحظة ومتابعة تصرفاتهن وتحركاتهن، ومراجعتهن بالأخطاء التي يرتكبنها في حينها ووقتها ونصحهن بعدم تكرارها مرة أخرى ولكن دون اعتداء أو تهديد.

أما المحامية هدى رستم فترى أن تزايد جرائم الخدم أصبحت أمراً يؤرق أولياء الأمور، مشيرة إلى أن أسباب ارتفاع وتيرتها هي سوء معاملة وعدم الاهتمام بهم أو تكون راجعة للتكوين النفسي للخادمة بحيث وصلت حدة الجرائم المرتكبة إلى القتل والتعذيب، وطالبت المحامية برقابة على الخادمات وعدم الاتكال عليهن فيما يخص الأطفال على وجه الخصوص.

ظروف نفسية صعبة

من جهته يقول والد الطفلة سلامة إننا نعيش ظروفاً بالغة الصعوبة نظراً للمعاناة الشديدة والتعذيب الذي تلقته طفلتهم، متمنياً الانتهاء من الإجراءات الخاصة بنقل ابنته للعلاج خارج الدولة على أمل أن تسترد عافيتها وتعيد البسمة إلى منزلهم، حيث تسأل عنها شقيقتها شهد باستمرار، وقال إن جرائم الخدم ينبغي ألا تمر بسهولة..

وذلك بتشديد أقصى عقوبة ممكنة وعلى المشرِّع أن يغلظ العقوبة بحق مرتكبي أي جريمة تتعلق بالطفل، مضيفاً أنهم كانوا يتعاملون معها بشكل مهذب وأنها خانت الأمانة، وقال أحاول البحث لها عن مبرر لما قامت به لم أجد فسلامة طفلة صغيرة قليلة الحيلة ومريضة.

أم مكلومة

والدة الطفل عموري الذي تعرض لحروق وتشوهات بعد أن سكبت الخادمة عليه مادة كاوية ترى أن القوانين والتشريعات الخاصة بهذا النوع من الجرائم يحتاج إلى إعادة نظر، مشيرة إلى حجم الألم والمعاناة والحسرة التي تجرعتها الأسرة منذ الحادثة التي قالت إنها لا تغيب عن بالها بكل تفاصيلها، مضيفة أن كل ما مروا به قابله في محكمة الجنايات حكم بسجن الخادمة ثلاث سنوات .

وهو الأمر الذي شكل صدمة لهم فما عاناه طفلهم جراء التشوهات والحروق والعمليات التي خضع لها تتجاوز الخمسة، مضيفة أنهم استأنفوا الحكم لتغلظ العقوبة بحقها وانتصرت محكمة الاستئناف لهم بالحكم على الخادمة 15 عاماً، وقالت على الدولة أن تقف بحزم أمام جرائم العمالة المنزلية سواء كان المجرم فيها الخادمة أو حتى الأسرة نفسها، مضيفة أنه ينبغي أيضاً عدم شمول جرائم الخدم بالعفو الذي تصدره إمارات الدولة بمناسبات دينية ووطنية واستثناءهم منها كي يدفعوا ثمن ما اقترفته أيديهم.

مراقبة

أشار علي كلداري إلى أنه يتوجب على الأهل أن يكونوا أكثر قرباً من أبنائهم للاطلاع على كل ما يحدث مع الطفل في حال وجود خادمة، لافتاً إلى أهمية كاميرات المراقبة لضبط السلوكيات في البيت.

الاعتداء على سلامة الطفل جريمة مؤلمة

وفقاً للمادة 36 فإن الاعتداء على سلامة الطفل يعتبر جريمة، كما قال المحامي خليفة بن هويدن الكتبي ويعاقب المعتدي بالحبس والغرامة 50000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين حسب نص المادة 69 من ذات القانون هذا باعتبار الفعل (اعتداء) أما إذا كان الاعتداء بقصد القتل فيعاقب وفقاً لقانون العقوبات (الشروع في القتل) بالسجن المؤبد حسب نص المادة 35 من قانون العقوبات، والعبرة هنا بمعرفة النية فهل القصد هو مجرد الاعتداء على سلامة الطفل أم بقصد القتل وهو ما ستظهره التحقيقات.

حضانات للأطفال

وطالب الكتبي بتقليل الاعتماد على الخدم عبر توفير حضانات للأطفال وهو الأمر الذي أمر به صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة حيث وجه بتوفير 66 حضانة على مستوى إمارة الشارقة وكان المحرك الأساسي للتوجيه السامي هو تعرض طفل للتعذيب على يد خادمة كشفته كاميرا مراقبة مثبتة في المنزل وتم بث التقرير تلفزيونياً.

Email