قصة

حدثان بسجل إجرامي ...من السرقة إلى الاتجار بالمخدرات

ت + ت - الحجم الطبيعي

نظر وكيل النيابة إلى الشابين الصغيرين الماثلين أمامه بتهمة الاتجار وتعاطي المخدرات، شعر أنه يعرفهما جيداً فعاود النظر إلى الأسماء مجدداً، ورجعت به الذاكرة إلى بداية حياته المهنية، في ذلك الوقت كانا مجرد طفلين في العاشرة من العمر، وكانت تهمتهما إتلاف ممتلكات الغير والسرقة، ثم توالى مثولهما أمامه في جرائم عديدة مماثلة، ثم جرائم أكبر فأكبر والآن هاهما يمثلان أمامه في جريمة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن المؤبد وهما لا يزالان في السابعة عشرة من العمر.

تحدث وكيل النيابة بمرارة عن القصة، قال إن عمل وكلاء نيابة الأسرة يكاد أن يماثل عمل الطبيب النفسي والاختصاصي الاجتماعي عن أن يكون تحقيقاً جنائياً، فجميع من يمثل أمامه يمثل حالة اجتماعية أو نفسية، ولا يمكن النظر إلى طفل كمتهم بشكل مجرد دون البحث عن أسباب ذلك، فالطفولة هو لفظ مضاد للجريمة، فإن اجتمعا في شخص واحد فإنه يكون بلا شك ضحية قبل أن يكون مجرماً.

وهذان الشابان مثالاً عن ذلك، فمنذ صغرهما افتقرا إلى الرقابة والاهتمام الأسري، إضافة إلى ضعف الموارد المالية للأسرة، والعامل الثاني أي الفقر لا يفترض أن ينتج الجريمة دون أن يكون العامل الأول حاضراً وبقوة.

الشابان من مواليد الدولة رغم أنهما ينتميان إلى عائلتين عربيتين من جنسيات مختلفة، وكانا صديقين منذ طفولتهما المبكرة، كان آباؤهما وأمهاتهما يعملون برواتب متدنية ولكنها تستغرق معظم ساعات يومهم، فاعتبروا أن ما يقومون به من جهد مضن لإعالة أبنائهم هو الواجب الأوحد، فلم يراقبوهم أو يقدموا لهم التربية السليمة.

وفي نفس الوقت كان الشابان ينظران حولهما فيجدان غيرهما من الأطفال وهم يتمتعون برغد العيش من ملابس وقدرة على الذهاب إلى الأماكن الترفيهية المختلفة، حيث ينفقون مبالغ طائلة على اللعب، ولم تكن عائلاتهما لديها القدرة على توفير هذه الرفاهية لهما، وحتى لم تفكرا بتزويدهما بالحد الأدنى من المال لإنفاقه على اللعب.

وفي نفس الوقت لم تعملا على تربيتهما وزرع الوازع الديني والأخلاقي فيهما فيتعففوا عما في يد الآخرين، ومع اجتماع تلك العوامل وجد الطفلان، ولم يتجاوزا العاشرة، في السرقة مورد يساعدهما على مجاراة أترابهما في الانفاق على اللهو، فعمدا إلى كسر زجاج السيارات المتوقفة وسرقة ما قد يكون قد تركه أصحابها من أجهزة أو أموال.

كانت النهاية المتوقعة بالقبض عليهما، ولما عجزت أسرتيهما عن تعويض المتضررين من السرقة فقد قضت المحكمة بإيداعهما في مركز رعاية الأحداث، حيث قضيا شهوراً هناك، وبعد خروجهما صارا محل نفور من أصدقائهما الآخرين.

ولم يجدا من أسرتيهما الدعم الكافي للبعد عما انتهجاه من سلوك، فلم يحاول أي من الأبوين إصلاح ابنيهما، واكتفوا بالرقابة لفترة محددة قبل أن تعود الأمور إلى ما هي عليه، وكانت النتيجة المتوقعة أن يعودا إلى سابق عهدهما من السرقة، ولكن بأساليب أكثر حذراً واحترافاً، فكانا يقومان بسرقة الدراجات الهوائية وبيعها إلى آخرين.

إضافة إلى أسلوبهما في تحطيم زجاج السيارات وسرقتها، فقبض عليهما أكثر من مرة، ولكنهما في المرات التالية لم يقفا باكيين أمام وكيل النيابة، بل أصبح لديهما من الخبرة في مواجهة المحققين ما كان يساعدهما مرة فأخرى على الخروج من القضية دون إثباتها عليهما في بعض المرات، وفي أخرى كانت تثبت فيتم إيداعهما في مركز الرعاية.

كبر الطفلان وأصبح لدى كل منهما جسد ضخم ينبئ عن عمر أكبر من أعمارهما، وكانت اللحية والشارب يوحيان برجولة نضجت مبكراً، وهنا لم يعد الشابان يكتفيان بالسرقة العادية، بل تحولا إلى السرقة بالإكراه والنصب وانتحال صفة الغير، فاستغلا تربيتهما في الدولة وإتقانهما لهجة أبنائها، ليوقفوا أشخاصاً آسيويين مدعيين أنهما من التحريات.

ولكي يبثا الرعب في نفس ضحيتهما، كانا يبادران أولاً بضربه وطلب بطاقة هويته، ثم يقومان بتفتيشه وأخذ محفظته أو أي ممتلكات يحملها كهاتفه المتحرك، ثم يهربان من المكان مما يثير ريبة الضحية ويشك بهما، وبالتالي يبلغ عن الجريمة، إلى أن تعدد ضحاياهما وبالطبع تم القبض عليهما، وبتعرف الضحايا عليهما تم الحكم بإيداعهما في مركز الرعاية أيضاً.

صداقات

وفي مركز الرعاية، ومع تعدد دخولهما إليه، أصبح لهما أصدقاء من متعددي التردد على الدار، ونشأت بينهم ترابط مع تعدد اللقاءات، فعرفاهما على نوع جديد من الجريمة، وهو تعاطي المخدرات، فأصبح الشابان من معتادي التعاطي، ولأن المخدرات تحتاج إلى مبالغ طائلة لتعاطيها، كان على الشابين أن يبحثا عن سبل جديدة لشراء حاجتهما من المخدر.

وهي حاجة لا تلبيها ما ينتج عن السرقات الصغيرة من أموال، فكان أن توجها إلى أخذ المخدر من التاجر مقابل مساعدته على توزيعه بين الشباب الآخرين من المتعاطين، فيقومان بدور المروج للمخدرات، ولكن وكما في كل مرة تم القبض عليهما وأحيلا إلى نيابة الأسرة للتحقيق معهما باعتبارهما لا يزالان حدثين لم يتما الثامنة عشرة من العمر.

تذكر وكيل النيابة كل هذه التفاصيل، وكأنه الشاهد على تدرج المتهمين في الجريمة ليصلا إلى التورط في جريمة تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن المؤبد، ولم يكن يستطيع منع نفسه من الابتسام وهو يرى قدرتهما العجيبة على المراوغة في التحقيقات، ولكن هذه المرة كان المخدر المثبت وجوده في جسديهما جراء التعاطي دليلاً كافياً على تعاطيهما المخدر.

ويبقى إثبات الترويج هو ما يراوغ به المتهمان وكيل النيابة بخبرته الطويلة في مواجهة التحقيقات والحذر في السلوك، ولما لم يثبت عليهما تهمة الترويج التي أكدتها التحريات، تم إحالتهما للمحاكمة بتهمة التعاطي فقط، ووجد وكيل النيابة أن ذلك كافٍ لحماية المجتمع المحلي منهما لأنه سيعني هذه المرة إبعادهما عن الدولة بلا شك، وربما يجدان في بلديهما وبعد أن يبتعدا عن بعضهما فرصة لحياة جديدة بعيداً عن الجريمة.

 

تنشر البيان بالتعاون مع دائرة القضاء في أبوظبي قصص من أروقة المحاكم لتعزيز الوعي المجتمعي لدى الجمهور.

Email