المؤيدون: الإسلام دين السماحة والأمور تؤخذ بمقاصدها

مصافحة الرجال للنساء تثير خلافاً بين العلماء

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ينظر الكثيرون إلى المصافحة على أنها حرية شخصية بين الرجل والرجل وبين الرجل والمرأة، ولا يجبر أحدهما على مصافحة الآخر، لكن ما تعرض له مؤخرًا مسؤولون كبار رفضت نساء مصافحتهم أعاد الجدل مرة أخرى حول هذه القضية وخاصة ما بين العلماء وأساتذة الشريعة الذين تباينت آراؤهم ما بين مؤيد لمصافحة الرجال للمرأة لكن بشروط، وبين معارض بشدة بحجة أن مصافحة الرجل للمرأة تنقض الوضوء وهذا حرام شرعاً..

وتعد الواقعة الشهيرة التي حدثت مع الأمين العام لجامعة الدول العربية بسبب رفض مذيعة مصافحته أحدث سيناريوهات مسلسل المصافحة، حيث طالبت المذيعة «منار الصايغ» المذيعة بقناة المنار إجراء مقابلة تليفزيونية مع موسى من خلال مساعديه، وحين وصل الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى مكان إجراء المقابلة، وكانت في انتظاره المذيعة فمد يده لمصافحتها لكنها ردت السلام شفاهة وأحنت رأسها دون أن تبادله المصافحة.

نفس الأمر حدث أيضًا مع رئيس جامعة الأزهر الدكتور «أحمد الطيب» أثناء احتفال الجامعة بيوم التميز والتفوق؛ حيث رفضت الطالبة هبة عبدالرحمن عبدالحليم مصافحته أثناء تسليمها شهادة التقدير لتفوقها الدراسي، معللة ذلك أن المصافحة حرام بين الرجال والنساء، وتكرر الأمر للمرة الثالثة في جامعة القاهرة بمصر في احتفال كلية الآداب بيوم التفوق عندما رفضت طالبة منقبة مصافحة رئيس الجامعة وعميد ووكيل الكلية أثناء تسلمها شهادة التفوق.

يقول د. محمد الشحات الجندي - الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية عضو مجمع البحوث بالأزهر «إن المصافحة ليست عملاً مقصودًا، ولا ينبغي أن تكون كذلك، كما أنها ليست ضرورة وليست جزءا من صميم العمل أو المناسبات العامة، دلنا على هذا الاتجاه الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان النساء يبايعنه.

فقد أخذ عليهن العهود والمواثيق، والتي وردت في قوله تعالى: «يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئًا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم» فهذه قضية دينية مجتمعية لم يصافح فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن ما كانت المناسبة جارية على وتيرة على أساس أن هناك رجالا ونساء يشهدون مناسبة.

فإذا كان هناك مناسبة أو اجتماع وكان التقليد في هذه المناسبة أو الاجتماع يقترن بالمواجهة أو قيام راعي الاجتماع أو المناسبة بتسليم الجائزة أو التكريم مثلما حدث مع رئيس جامعة الأزهر أثناء تكريمه لطالبات، مما يتطلب المصافحة وقد يتم هذا في صورة روتينية وفي إطار شكل ونمط ينبغي أن يحمل على غير وجهه، لأن من يصافح هؤلاء الطالبات أو الفتيات إنما هو بمثابة الأب لهن أو القائم على أمرهن وراعٍ لهن، وهذا مصداقًا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته».

وعلى حد تعبير الجندي فإنه إذًا ما مد المسؤول يده لمصافحة فتاة فإنه قد يكون من اللائق ألا تجابهه بالرفض والتصميم على أن هذا مسلك خاطئ لأن المصافحة من هذه الناحية الشرعية غير حرام، وقد روي أن عمر بن الخطاب صافح النساء في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وتابع قائلا: إن المصافحة ليست حراما لأن الحرام ما يثبت بدليل قطعي في نصه ودلالته، ولم يرد مثل هذا النص في مصافحة الرجل للمرأة، لكن يجب مراعاة بعض الملائمات بحيث إذا كان هناك شاب وفتاة في غير مشهد عام وتصافحا بطريقة تثير الشهوة. فإن المصافحة في هذه الحالة تكون حراما.

ويقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: «إن الأمور تؤخذ بمقاصدها مصداقًا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم» إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى « فإذا كان رجل مسؤول أو شخص كبير يحي ابنته فليس هناك غرض خبيث أو دنيء، ولست أدري موقف هؤلاء الذين أشاعوا بين السيدات والفتيات عدم المصافحة فإلى أي دليل استندوا إليه وما دليلهم؟!

فليس هناك حديث أو آية قرآنية تمنع المصافحة، وإن هذا لون من ألوان التشدد الذي نهى عنه الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الشريف: «من شدد شدد الله عليه»، وقال «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا»؛ فعدم المصافحة والسلام يأتي من باب تنفير الناس بعضهم من بعض.

ويضيف: إن هذا فهم خاطئ للإسلام؛ فالقرآن يقول «وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها»، وعلى هذا فالإسلام لم يناد بألا نخجل من أمامنا بل ينادينا بالحب والإخلاص بين الاثنين؛ كما أنه أعطى للمرأة حق التعلم والعمل، وأن تصل إلى أعلى الدرجات، فهل نقول إن المصافحة حرام، مشيرًا إلى أن رفض المصافحة تشدد لا ينبغي أن يكون، فالإسلام دين السماحة والإخلاص والمحبة.

ويعود بنا عاشور للوراء قليلاً مذكرنا بواقعة حدثت معه أثناء زيارته لأميركا؛ حيث رفضت امرأة مسلمة مصافحته، فما كان له أن قال لها لماذا تقيمين هنا، فكان من الأولى أن تعيشي في مكان آخر، معتبرًا أن هذا الفكر منغلق لا ينبغي أن يكون بين مسلمين.

ويقول د. جودة المهدي نائب رئيس جامعة الأزهر، العميد السابق لكلية القرآن الكريم إن ترك المصافحة خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يكن يصافح غير المحارم، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني لا أصافح النساء»، وقد حمل العلماء هذا على أنه خصوصية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن بعض الصحابة ورد عنهم أنهم صافحوا النساء إلا أن منهم اشترط أن تكون المصافحة بحائل وبعضهم لم يشترط، وعلى ذلك سار جمهور الفقهاء.

إلا أن بعض المتشددين لم يحمل عدم المصافحة للنساء على محمل الخصوصية للنبي عليه الصلاة والسلام، فقال بتعميم الحكم بعدم المصافحة على غرار النبي وغيره من سائر الأئمة، مشيرًا إلى أنه من متطلبات هذا العصر الأخذ بالأيسر إذا أمنت الفتنة فليس التحريم أو الإباحة على إطلاقهم وتأخذ الضرورة بقدرها، فإذا تعرض الإنسان لموقف يتطلب المصافحة كما في السلك السياسي مثلاً أو بعض المؤتمرات الدولية، وكان في عدم المصافحة ضرر يترتب على المنع، فإنه يجوز إذا أمنت الفتنة أن تكون هناك مصافحة.

وترى د. أمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أن المصافحة الكريمة بين الرجل والمرأة مصافحة بين أخ أو أخت بعيد عن أي إضمار معنى أو مغزى، فالمصافحة من باب الترحيب الذي أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غبار من حيث نوع المصافحة الكريمة، ومن الوجه الآخر لا تحمل أي مغزى أو أي إشارة هذه هي حقيقة المصافحة، أما الذي يحرم هو أن تأتي المصافحة وتحمل كلاما أو موعدا أو همسا باليد، وكل هذه الأمور لا تأتي من قبل بعض السيدات الفضليات إنما تأتي من قبل بعض السيدات اللائي يرغبن في هذا فالملامسة المحرمة هي التي ترفضها المرأة الأبية والرجل الكريم.

وتوضح ان الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم عندما رفض مصافحة النساء في البيعة، فالقياس هنا ممتنع لأنها خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد أمر عمر بن الخطاب بمبايعة النساء ومصافحتهن، وهذا ما يؤكد أن المصافحة الكريمة لا غبار عليها، أما الغبار عندما تتحول المصافحة إلى ملامسة خبيثة، أما غير ذلك فهي ثقافة غير متوازنة، ولا تتفق مع ثقافتنا البعيدة عن النهوض والتطرف.

وعلى الجانب الآخر.. قوبلت مصافحة الرجل للمرأة برفض شديد من قبل بعض العلماء إذا اعتبرها الشيخ فرحات المنجي - من كبار علماء الأزهر الشريف حراما فالإسلام حرم مصافحة الرجال للنساء، خاصة إذا لم تؤمن بالفتنة فمن حق المرأة ألا تجبر على مصافحة الرجل؛ فإذا كان الفقهاء أشاروا إلى أن لمس الرجل المرأة الأجنبية دون حائل ينقض الوضوء.

فمعنى هذا أن مصافحة الرجل للمرأة غير جائز على إطلاقه، لكن تقدر الأمور بقدرها فيجوز للمرأة في المجتمع العام وفي مثل هذه الاحتفالات أو التكريم إذا كان من يقوم بالسلام عليها من تؤمن معه الفتنة فهو يعتبر من القواعد ولا إثم فيه على النساء؛ فلا أقول إن هذا الأمر جائز على إطلاقه، ولكن إذا امتنعت المرأة عن السلام فهذا حقها مصداقًا لقوله تعالى (وأن يستعففن خير لهن) فهذا من العفة.

وخلاصة القول ان سلام الرجل على المرأة الأجنبية دون داعٍ ودون حائل لا يجوز شرعًا، بحيث لا تخرج هذه الفتاة يدها بمن يقوم بمد يده إليها بالسلام ففي هذه الحالة تضع يدها على صدرها وتقول له شكرًا فإذا غضب الرجل من هذا فهذا شأنه، فهي فعلت ما يجب عليها أن تفعله، أما هو فقد أخذته العزة بالإثم، وكأنه اعتقد أن هذه المرأة تستخف به أو أنه ليس أهلاً للسلام عليها، ويوضح المنجي أن هناك من الرجال من يمسك بيد المرأة ولا يريد أن يتركها، ومنهم من يتحسس اليد من غير ذلك، لذا فإن شرع الله عظيم في المنع.

ويقول د. محمد زناتي عبدالرحمن عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر إن الإسلام قد حرم نظر الرجل للمرأة لغير حاجة مصداقًا لقوله تعالى: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم»، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم:«ما تركت فتنة لرجال هذه الأمة شر من نسائها ..»، كما حرم الله نظر المرأة للرجل بغير حاجة، كما جاء في قوله: (قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن).

وعلى هذا فالنظر لغير حاجة ولغير ضرورة قد تدفع إلى الشهوة، والنظر بشهوة سماها القرآن خائنة الأعين لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، مشيرًا إلى أن الاسترسال في ذلك يجر إلى مخاطر وعواقب لا تحمد عقباها، فكما يقول علماء النفس.. الفعل البشري يمر بثلاث مراحل؛ مرحلة الإدراك سواء بالنظر أم اللمس.

ومرحلة الوجدان وهى الخواطر القلبية في الشهوة حيث يتحرك في داخل النفس ويسميها القرآن المرض عملاً بقوله تعالى مخاطبًا نساء النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: «ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض» ثم مرحلة التروع وهي إيقاع هذه الشهوة في طورها العملي الفعلي التطبيقي، وهو ما نهى الإسلام عنه إذا كان هذا في مجال النظر.

ويوضح أنه من باب أولى في مجال تحريم مصافحة الرجال المرأة ما لم تكن محرمًا له لأن إيقاع الشهوة بسبب اللمس عند الذين في قلوبهم مرض أشد وأقوى من النظر الذي نهى الإسلام عنه، وبالتالي فدرء للمفاسد وبعيد عن الشبهات أرى أن مصافحة الرجل للمرأة بغير حاجة حرام شرعًا.

ويقول د. أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر إن المصافحة بين الرجال والنساء إذا كانت بين زوج وزوجته أو كانت بين المحارم من الزوجة الأولى نسبًا أو رضاعًا فهذا يجوز بإجماع الفقهاء، وأما بين الرجل والمرأة الأجنبية فلا يجوز لأدلة شرعية منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إني لا أصافح النساء»، وأيضًا «لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له»، لافتًا إلى أن المسألة لا يوجد فيها أدنى خلاف بين الفقهاء.

ويتفق الشيخ مصطفى عبد الهادي من علماء الأزهر مع الرأي السابق في أن المصافحة باليد حرام إلا إن كانت زوجة أو محرمًا فإن في مصافحتهن الفتنة مالا يخفى، وأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صافح امرأة أجنبية من غير حائل فقد جاء في موطن الإمام مالك وصحيح الترمذي من حديث مبايعة النساء أنهن قلنا هلم نبايعك يا رسول الله.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني لا أصافح النساء إنما قولي لمئة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة»، وأخرج البخاري في صحيحه عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية (ألا يشركن بالله شيئا)، ويضيف أنه في حالة إذا مدت المرأة يدها لكي تصافح رجلاً فهل يصافحها لكي لا يحرجها ويحرج مشاعرها أم يمتنع عن ذلك صيانة لدينه وعرضه، وما الحكم لو مد الرجل يده إليها فهل تصافحه، مشيرًا إلى امتناع كل منهما مصافحة الآخر، ولكن بطريقة مهذبة أفضل بكثير ومنعًا للإحراج.

القاهرة- محمد نور الدين (دار الإعلام العربية)

Email