القدس.. حافة الهاوية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أميركا تضغط على الدول العربية لمكافحة التطرف والإرهاب بلا هوادة، وفي الوقت نفسه تدفع بالأوضاع في المنطقة العربية نحو المزيد من التطرف واستخدام العنف للتعبير عن رفض سياساتها المنحازة. فقد كانت القضية الفلسطينية دائماً هي أم القضايا في المنطقة، ومنبع الغضب الذي مر بعدة مراحل، واتخذ العديد من الأشكال في التعبير، وكانت كلها تتخذ من العنف طريقة في البوح والرد.


هذا التناقض في السياسة الأميركية هو الذي أدخل المنطقة العربية فيما يسمى بالفوضى الخلاقة التي وصلت شظاياها إلى مناطق مختلفة من العالم، ولم تسلم أميركا وأوروبا منها. وربما تكون قضية اللاجئين التي قضت مضاجع الأوروبيين أقلها صخباً، بعد أن أصبح الدمار هو سيد المشهد في عدد من العواصم العربية.


كان ذلك لسواد عيون «إسرائيل» وتمكيناً لها لتكون سيد الشرق الأوسط الجديد. ويبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أراد أن يحظى بشرف وضع اللمسة الأخيرة على هذه التراجيديا السوداء، فقرر الإقدام على ما تجنب سابقوه الوقوع فيه، الاعتراف بتبعية مدينة القدس للكيان الإسرائيلي ونقل سفارة بلاده إليها.


هل قرأ الرئيس الأميركي الأوضاع في المنطقة والعالم بعناية قبل الإعلان عن نيته القيام بهذه الخطوة؟ وهل درس مع مستشاريه التداعيات المحتملة لقرار ربما يكون بمثابة «قبلة الموت لعملية السلام» حسب تعبير السفير الفلسطيني في بريطانيا مانويل حساسيان، أو تكون شرارة لحريق جديد في المنطقة يعيد تدوير منظمات إرهابية كادت أن تتلاشى بفعل الجهود التي بذلتها الدول العربية في مكافحة ومطاردة الإرهاب وفكره الضال؟


ربما وجد ترامب ومساعدوه الأوضاع المختلطة التي تعصف بالمنطقة وتشغل معظم الدول العربية الفاعلة سبباً لاحتمال عدم صدور موقف عربي وإسلامي حازم وحاسم في الأمر. وربما استغلت إدارة ترامب الخطر الإيراني المتصاعد على الدول العربية لتجعله مصدر مساومة تضعف فيه القرار العربي.

وربما أراد ترامب تخفيف الضغط عليه من قبل معارضيه بعد فضيحة مستشاره للأمن القومي مايكل فلين فيما يعرف بصلة روسيا بحملة الرئيس الانتخابية من خلال صفقة نوعية ترضي أصدقاء إسرائيل في أميركا. ولكن الذي لا تفهمه واشنطن أن تجاهل الموقف الرسمي العربي وإظهاره في صورة الضعيف الفاقد للحيلة، كان دائما سبباً في إشعال الغضب وإذكاء روح الانتقام لدى شرائح واسعة من الرأي العام العربي والإسلامي. وقد كان ذلك هو وقود التطرف وترياق الإرهاب الذي أوصل العالم، بما فيه أميركا، إلى حال من القلق وعدم الشعور بالأمان.
 

Email