مصرية تبني منازل مستدامة منخفضة التكلفة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تقنية «التربة المدكوكة» بديل أقل تكلفة بكثير من الأسمنت والصلب، بالإضافة إلى أنها تقنية مستدامة.

يعاني الكثير من المدن المصرية الكبرى من تفشي "المناطق العشوائية". وتُعتبر هذه المناطق - المعروفة باسم العشوائيات - أماكن غير ملائمة للسكن على الإطلاق وغالبًا ما تفتقر إلى الخدمات الأساسية، مثل الماء النظيف والصرف الصحي والكهرباء.

وقد كشفت دراسة مسحية حديثة وجود 1221 من هذه الأحياء العشوائية في المناطق الحضرية بمصر. وبحسب هذه الدراسة، استقر الكثير من العائلات لأجيال طويلة في هذه العشوائيات التي تقع غالبًا خارج نطاق البلديات المحلية من حيث التخطيط ورصد الميزانيات.

وعندما كانت رضوى رستم تدرس الهندسة المدنية وتعمل كمتطوعة لتدريس اللغة العربية والإنجليزية في عشوائيات مدينة القاهرة، قررت تكريس مهاراتها الهندسية لإفادة الناس. وفي هذا الصدد، تقول المهندسة المصرية: "تولدت لدي الرغبة بتحسين المستويات المعيشية لهذه المجتمعات عندما رأيت الأوضاع المتردية للمساكن التي يعيشون فيها.

لقد شعرت بأنه تقع على عاتقي مسؤولية مساعدتهم نظراً لتخصصي في مجال الإنشاءات الهندسية. حيث تخرجت من الجامعة وسارت بي الحياة مسارها التقليدي ولكن ظلّت فكرة مساعدة تلك الأسر كي تعيش في مساكن كريمة تشغل تفكيري".

وفاءً بعهدها، أسست المهندسة رضوى رستم، التي تبلغ الآن 31 عاماً، "هاند أوفر" أو "تسليم"؛ وهي مشروع اجتماعي تتكرس جهوده لتوفير مساكن مستدامة وفعالة من حيث التكلفة لجموع المصريين. وتقول رضوى رستم إن مهمتها هي: "تشييد منازل وبيوت معمرة وقادرة على الصمود في المجتمعات المحلية الفقيرة المحرومة عن طريق تمكين المهندسين المعماريين وطلاب الهندسة المدنية والسكان المحليين من استخدام وسائل الإنشاء المستدامة".

في عام 2014، حصلت رائدة الأعمال على منحة زمالة من مؤسسة "دي أو سكول DO School" في هامبورج بألمانيا. وخلال سنة الزمالة درست رضوى حلول الإسكان المبتكرة وأتقنت "النهج المجتمعي" لبناء مساكن ميسورة التكلفة باستخدام مواد مستخرجة من الأرض.

ويشتمل النهج متعدد الجوانب الذي تتبناه "هاند أوفر" على تبادل المعرفة في المجتمعات حول وسائل الإنشاء المستدامة عن طريق حشد المتطوعين من الخريجين والمواطنين المحليين للمساعدة في هذه المشاريع. كما تُشرك المهندسة رضوى المجتمع المحلي أيضاً في خطط التشييد والبناء. وتقول عن ذلك: "إن الناس يعرفون احتياجات المجتمع المحلي أفضل من أي شخص آخر".

وتقول رضوى إن العمل يجري في الوقت الحالي على ثلاثة مشاريع: مركز مجتمعي للبدو في سانت كاترين، بالتعاون مع مبادرة "كاترين موجودة Catherine Exists"؛ ومدرسة مجتمعية في ضواحي غزة، بالتعاون مع المنظمة غير الحكومية "من أحياها Man Ahyaha"؛ والمقر الرئيسي الصديق للبيئة لشركة "ناشئة زراعية" جديدة.

وسيتم افتتاح مدرسة رضوى رستم المجتمعية مع بداية عام 2018 لتقديم الخدمات التعليمية لـ 500 طفل. كما أن المهندسة في المراحل الأخيرة من بناء المركز المجتمعي للبدو المحليين، وهو يضم عيادة طبية ومرافق تعليمية تتسع لنحو 10 آلاف شخص.

تدير "هاند أوفر" مشاريعها الحالية بالتعاون مع منظمات غير حكومية محلية. وتشرح المهندسة رضوى هذه النقطة قائلة: تجري هذه المنظمات تقييماً للاحتياجات ثم تطلب التدخل للمساعدة - وهنا يأتي دورنا! إن الخدمة الأساسية التي نقدمها هي تصميم وتشييد منازل مستدامة، لكننا نقوم بأكثر من ذلك أيضاً: إننا نعمل على إنشاء مجتمعات مستدامة من خلال النموذج الذي نقدمه.

لقد تطور مشروع رضوى الاجتماعي ليصبح عملًا تجاريًا يستهدف الربح. وتضيف المهندسة: "نحن نستخدم مواد مستدامة متوفرة في المجتمع المحلي ونوضّح كيف نستطيع ترشيد استخدامها. وتُعتبر هذه الأنواع من العقارات أكثر فعالية من حيث التكلفة في البناء والشراء. ونحاول إشراك المجتمع المحلي في عمليات الإنشاء، وبذلك يكتسبون معارف جديدة يمكنهم الاستفادة منها بمفردهم".

وإضافةً إلى استخدام "هاند أوفر" لتقنيات الإنشاء المبتكرة مثل تقنية "التربة المدكوكة"، تعمل الشركة على الترويج أيضاً لفكرة الاستدامة في التصميم واستغلال الموارد الطبيعية، مثل ضوء الشمس.

وتقول المهندسة رضوى إن تقنية التربة المدكوكة تنطوي على استخدام الكثير من المواد المحلية المستخرجة من الأرض، مثل الحصى والرمل والطين. وتوضح: "نقوم بخلط المكونات بنسب معينة لضمان قوة الجدران. إنها تقنية قديمة استُخدمت قبل آلاف السنين لكن المهندسين حول العالم لجؤوا مؤخرًا إلى إحياء مثل هذه التقنيات".

"وتعتبر هذه التقنية بديلًا أقل تكلفة بكثير من الأسمنت والصلب. وبالإضافة إلى أنها تقنية مستدامة، فلها العديد من المزايا الأخرى: فهي مناسبة للطقس الحار إذ توفر العزل الجيد والتهوية المناسبة كما أنها سهلة التعلم والتطبيق".

وتضيف المهندسة رضوى: "عندما كنت أعمل مهندسة إنشاءات، لم أكن أشعر بالرضا عن بناء منشآت فاخرة للعملاء الأغنياء. فقد أردت أن أعمل لصالح المجتمعات محدودة الدخل، وفي الوقت نفسه بدأت في تعلم المزيد عن الاستدامة وكيف أن الإنشاءات تتسبب في مشاكل التغير المناخي الكثيرة التي نشهدها اليوم".

"لذلك قررت دراسة المباني الخضراء وكيفية جعل المباني القائمة أكثر استدامةً وأكثر كفاءةً في استخدام الطاقة. تجمع "هاند أوفر" بين جميع اهتماماتي ومواطن شغفي في مؤسسة واحدة، فلم أستطع أن أجد هذا المزيج كله في مكان واحد لذا قمت بإنشائه بنفسي".

تقول رستم إنها تهدف بمجرد إنجازها للمشروع التجريبي الحالي للشركة إلى نقل معارفها واستراتيجياتها إلى الحكومة المصرية حتى "يمكنهم البدء في تبني التقنيات التي نستخدمها وليتسنى لنا التعاون معهم. فإننا على يقين بأن ذلك ما ينبغي للحكومة أن تفعله.

ونعتقد أن دورنا هو ريادة وتجريب هذه المنهجيات والتقنيات لنتمكن في النهاية من طرحها في جميع أنحاء البلد. ونحن نعلم أننا لا نستطيع حل هذه المشكلة بأكملها وحدنا؛ وإذا أردنا ترك بصمة أكبر، ينبغي لنا التعاون مع الحكومة".

تقول المهندسة رضوى رستم إن الحكومة تعمل على ترميم بعض المباني. كما تقول إن على الحكومة أن تفعل المزيد للترويج للبناء والتصميم المستدام.

وتختتم بالقول "يتطلع غالبية الناس إلى الأغنياء وبيوتهم المبنية من الخرسانة فيرغبون في العيش في بيوت خرسانية مثلهم. نحن بحاجة إلى تغيير هذه الطريقة في التفكير. عندما يرى الناس أن المزيد والمزيد من السكان يعيشون في بيوت مستدامة لأنها أفضل جودة وأكثر راحة، سيبدأ الكثيرون في تبني هذا التغيير".

* كاتبة أميركية

 

 

Email