قضية

مأساة اللاجئين .. من جحيم الأوطان إلى مقبرة «المتوسط»

اللاجئون واجهوا الغرق والموت ولا يزالون خلال ارتحالهم في البحر الأبيض المتوسط | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتأزم مأساة اللاجئين في العالم مع تواصل النزاعات عبر مناطق عديدة من العالم وعلى رأسها سوريا والعراق وليبيا مما يدفع هؤلاء إلى المغامرة بالإبحار في المتوسط في رحلة هي أقرب منها للموت، فلا يكاد يمر يوم دون أن تسمع عن غرق مركب، يبتلع فيه البحر المتوسط جثث الحالمين بحياة آمنة كريمة، فقد تعاظمت مأساتهم خلال العام الجاري.

حيث بلغ عدد الغرقى والمفقودين في البحر الأبيض المتوسط وهم في طريقهم إلى أوروبا، خلال العام الجاري 1500 شخص بينهم 500 شخص في الشهر الجاري، فإلى متى تستطيع الدول الغنية في العالم أن تتجاهل مأساة آلاف المهاجرين غير الشرعيين الذين يبتلعهم البحر سنوياً ويلفظهم جثثاً هامدة على شواطئها؟

وإلى متى يقتصر تحرك دول العالم على التنديد والتأثر والتفجع على الموتى من دون البحث عن حل حقيقي وجذري لأهم مأساة إنسانية يشهدها القرن الحادي والعشرون؟

من الموت إلى الموت

آلاف المهاجرين غير الشرعيين الهاربين من جحيم الجوع والحروب يصلون يومياً إلى داخل القارة العجوز في رحلات باتت تقارب الموت في كلّ فصولها.... الهجرة برّاً عبر تركيا... الهجرة إلى أوروبا، رحلة من موت إلى موت.

فالشواطئ التي رسم عليها المهاجرون أجمل آمالهم لم تستقبلهم كما تمنوا، حيث تحول البحر الفاصل بين القارتين إلى مقبرة لآلاف المهاجرين الباحثين عن العيش الكريم والأمن والآمان.

وتعد ليبيا نقطة انطلاق للاجئين الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى أوروبا، ولا تبعد السواحل الليبية -البالغ طولها 1770 كيلومتراً- أكثر من ثلاثمئة كيلومتر عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية التي تشهد كل عام وصول آلاف اللاجئين.

ومع تزايد راغبي السفر وانسداد آفاق السفر الشرعي بسبب القيود الشديدة على تأشيرات الدول الأوروبية وأميركا، بدأت تظهر عصابات لتسفير الشباب بطرق غير شرعية أشهرها السفر عبر البحر بمراكب صيد متهالكة من الشاطئ الليبي القريب من إيطاليا، أو عبر موانئ مصرية، على الجانب الآخر

وفي أوروبا، فالجثث التي ابتلعها البحر، هي جزء من مئات الآلاف الذين ركبوا قوارب الموت، ووضعوا حياتهم على أكفهم وغامروا بها، ليصيغوا إحدى أكبر مآسي التاريخ، ليحول جزء منهم بياض بحر إلى جثث تلاشت معالمها، واندثرت أشلاؤها إلى الأبد.

لكن الأكثر حظاً منهم ممن يجدون أنفسهم في تركيا، فلن يحتاجوا إلا إلى أن يقطعوا مسافة أقصر بكثير من أقرانهم، فالمسافة بين سواحل تركيا وجزيرتي كوس وليسبوس في غاية القصر، وبمجرد وصولهم إلى شاطئها، سُيرسلون إلى ميناء بيراوس بعد ذلك، حيث تبدأ رحلتهم البرية إلى بلدان الاتحاد الأوروبي الأفضل حالاً.

عصابات التهريب

ولم تنف السلطات الليبية وجود عصابات التهريب على أراضيها كما أنها لم تقلّل من خطورتها إلا أنها تبدو عاجزة على مواجهتها في الوقت الحالي بسبب صعوبة ضبط الحدود البحرية والبرية الممتدة على طول 6000 كم، وهو ما يجعل من أمر معالجة ملف الهجرة غير الشرعية ومكافحة تجارة تهريب البشر صعباً جداً على المدى القريب.

ويؤكد مسؤولون ليبيون أن لدى السلطات الليبية «شكوكاً بأن الأموال التي تدرها الهجرة غير الشرعية تستخدم في تمويل العمليات الإرهابية في ليبيا، وربما تتعدى القطر الليبي إلى دول الجوار ودول المتوسط».

إلى ذلك، كشفت المنظمة الدولية للهجرة وفاة 1500 شخص غرقاً منذ بداية العام الحالي بينهم 500 شخص خلال الشهر الجاري، وهذه الأرقام ستتصاعد من دون أدنى شك في الأسابيع المقبلة بسبب أحوال الطقس الملائمة والأعداد الهائلة للمرشحين للهجرة في السواحل الجنوبية للبحر المتوسط.

ويقول مختصون «كل الظروف مجتمعة بشكل استثنائي لكي يهلك المزيد من المهاجرين في البحر المتوسط، أحوال الطقس، جشع عصابات المهربين والفوضى الأمنية والسياسية في ليبيا والاضطرابات في منطقتي الساحل الأفريقي والقرن الأفريقي والحرب في سوريا والعراق».

لقد قدمت أحزاب ومنظمات حقوقية في أوروبا مقاربات وحلولاً لظاهرة الهجرة، وطالبت بوضع ميثاق واضح المضامين جلي الرؤية، يتأسس على البعد الإنساني من جهة، وعلى البعد التنموي من جهة ثانية، لكن لم تجد هذه النداءات آذاناً صاغية لدى المعنيين بالأمر.

تشدد في اللجوء السياسي

أما موقف الحكومات الأوروبية من المهاجرين في البحر المتوسط فكان متخاذلاً للغاية، فبعد أن تكفلت الحكومة الإيطالية بعملية «ماري نوسوترم» (بحرنا) التي تقترب ميزانيتها من الـ 9 ملايين يورو شهرياً .

والتي تقول الحكومة الإيطالية إنها نجحت في إنقاذ ما يزيد على 100 ألف مهاجر منذ انطلاقها في أكتوبر 2013، تم إلغاؤها بحجة وجود مشاكل مالية واستُبدلت بعملية «ترايتون» التي تكفل بها الاتحاد الأوروبي وتبلغ تكلفتها حوالي ثلث تكلفة سابقتها «ماري نوستروم».

لقد أسهم قرار إنهاء العملية الإنسانية «ماري نوسترم» في الزيادة الدراماتيكية للوفيات في صفوف المهاجرين واللاجئين في عرض البحر، كما أن المبررات التي تقول إن هذه العملية كانت بمثابة عامل جذب للمهاجرين تدحضها الأرقام التي تظهر أن عدد اللاجئين والمهاجرين الذين يحاولون العبور إلى أوروبا بحراً قد ازداد منذ انتهاء العملية.

فقد شهد العامان الماضيان أرقاماً قياسية للاجئين والمهاجرين الذين حاولوا العبور إلى أوروبا عن طريق البحر، كما زاد عدد الوافدين المهاجرين إلى إيطاليا بنسبة 24 في المئة في الأشهر الخمسة الأولى من العــــام الجاري مقارنة بالعام السابق.

استمرار المآسي

ويؤكد عدد من المتتبعين أن تجاهل أسباب الموت في البحر المتوسط سيقود إلى مزيد من المآسي، فأكيد أنه لا توجد حلول سهلة، إلا أن الساسة الأوروبيين يتخذون الخيار السهل بسبب تفادي فهم العالم الأوسع الذي تعتبر أوروبا جزءاً لا يتجزأ منه، فالمشكلة هي أوسع بكثير من قضية مراقبة الحدود، ومكافحة وقمع شبكات الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، غير أن المقترحات التي خرجت بها الاجتماعات الطارئة للاتحاد الأوروبي كانت مخيبة للآمال على نحو مماثل.

حيث لجأت القارة العجوز في مواجهة الهجرة السرية بتحضير الخطط وغياب الحلول، حيث إن كل هذه الخطط لن تقتلع جذور الأزمة، لأنها في الحقيقة لا تعمل على ذلك بل تعمل على إبعاد الأزمة عن أوروبا قدر الإمكان.

خطة من دون حلول

ووضع القادة في أوروبا خطة ترمي إلى تعزيز العمليات المشتركة في عرض مياه البحر المتوسط من خلال رفع الموارد المالية والمقدرات العملية، وتوسيع نطاق عمليات التدخل في إطار مهمة وكالة الحدود الخارجية الأوروبية، وبالنسبة للاجئين القادمين عبر تركيا إلى الجزر اليونانية وجد الاتحاد الأوروبي حلاً مفترضاً العام الماضي، وهو الصفقة مع تركيا، إذ تلتزم أنقرة بموجبها بحماية الحدود واتخاذ إجراءات ضد المهربين.

وفي المقابل فإن الاتحاد الأوروبي يلتزم بتقديم ستة مليارات يورو من أجل المساعدة في تحمل نفقات اللاجئين. لكن جميع هذه الخطط اصطدمت بمبدأ الربح والخسارة دون البحث عن الطابع الإنساني الكفيل بحل جذور أزمة المهاجرين غير الشرعيين، وهو ما جعل دولاً أخرى، في سياق كبحها موجات الهجرة إليها، إلى التشدد في قوانين منح اللجوء السياسي.

حيث إن كل دولة تحاول قدر المستطاع التضييق على طالبي اللجوء من أجل إجبارهم على الرحيل سواء بوضعـــهم في معسكرات لا إنسانية وجعلهم يتحملون ظروف حياة قاســــــية.

ومن الأسباب التي حدتها على ذلك الأزمة الاقتــــصادية الحادة التي تعانيها غالبية الدول الأوروبية وتنامي مشاعر العـــــداء للأجانب وانتشار «الإسلاموفوبيا»، فالوضع بحاجة ماسة من الشجاعة والإرادة السياسية لدى القيادة الأوروبية للإقرار بأن الاستراتيجية الحالية غير ناجحة، والبدء في إصلاح النظام الدولي للهجرة واللجوء.

إحصاءات

حضت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الحكومات الأوروبية على تكثيف جهودها لإنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط لتماثل الزيادة المتجددة في المهاجرين من قبل المهربين في ليبيا. ووفقاً لبيانات المفوضية فمنذ بداية العام الجاري تم إنقاذ 36 ألف شخص، مقارنة بـ 24 ألفاً خلال الفترة نفسها من 2016.

وتقول المفوضية إن إنقاذ الأرواح يجب أن يظل «الأولوية الرئيسية»، بالمطالبة بإجراء عمليات بحث وإنقاذ أكثر فعالية.

 

Email