سطوة التواصل الاجتماعي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

إننا نعيش اليوم في عالم تؤدي السرعة الآنية لوسائل الإعلام الاجتماعي فيه إلى نشر الأخبار دائمًا عبر القنوات الاجتماعية قبل أن تنشرها المؤسسات الإخبارية الرئيسية.

في عام 2009، وقعَ حدثٌ غير عادي بالمرة! فقد اصطدمت طائرة الرحلة رقم 1549 لشركة الخطوط الجوية الأميركية بقيادة الكابتن تشيلسي «سولي» سولينبرغر بسرب من الطيور أصاب محركاتها، وفي عمل بطولي اتسم بالمهارة والحكمة، تمكن سولي من الهبوط بالطائرة على نهر هدسون في نيويورك. لكن لم يكن ذلك الجزء غير العادي من الحدث!

فقد هبط طيارون بطائراتهم على سطح الماء من قبل.

الأمر المختلف هذه المرة كان أن المارة بدؤوا ينشرون تغريدات على تويتر وصورًا على فليكر لمهمة الإنقاذ الجارية في غضون خمس دقائق من لحظة هبوط الطائرة. فوصلت أخبار الحادثة إلى الناس عن طريق قنوات التواصل الاجتماعي قبل وصول طواقم التغطية التلفزيونية بوقت طويل.

كان ذاك الحال في ما مضى، وهذه هي الحال الآن. اضطرت التقارير الإخبارية التي غطت الحادثة التي أُطلق عليها «معجزة على نهر هدسون» آنذاك إلى أن تستهل مقدمتها بشرح موجز عن ماهية موقع تويتر. واليوم، نحن على علم بأن مواقع تبادل المحتوى الاجتماعي على شبكة الإنترنت تقدم خدماتها لمساعدتنا في إرسال التعليقات النصية والصور وملفات الصوت والفيديو من خلال التدوين المصغر إلى أي مكان.

إننا نعيش اليوم في عالم تؤدي السرعة الآنية لوسائل الإعلام الاجتماعي فيه إلى نشر الأخبار دائمًا عبر القنوات الاجتماعية قبل أن تنشرها المؤسسات الإخبارية الرئيسية.

السؤال الأول هنا: هل يتمتع العالم العربي بالذهنية المناسبة ليتحول إلى «الشبكات الاجتماعية» أولًا للحصول على معلوماته اليومية؟ تشير معدلات استخدام الشرق الأوسط للهواتف المحمولة إلى إمكانية نجاح هذا الأمر. فمتى نتوقف عن استخدام هواتفنا الذكية في هذه الأيام؟

ولكن يبقى السؤال الأعم والأشمل: في عالم اليوم الحافل بالأخبار المزيفة والمواقع التهكمية والمعلومات المضللة، هل هذا النموذج يناسب ذهنية «متلقي الأخبار» العرب الذين يمكن القول بأنهم قد يفضلون تلقي الأخبار من مقدِّم الأخبار بصورة أكثر رسمية وتقليدية. هل لنا أن نثق حقًا في تغريدة خبر عاجل؟ ألا يوجد سبيل لعلاج هذه الأزمة في الثقة؟

انبثقت شركة جديدة تدعى «سكوب أناليتكس» عن إحدى الجامعات الإسكتلندية وتستهدف بتقنياتها المبتكرة الصحفيين الإخباريين قبل غيرهم، حيث يستخدم فريق الشركة وسائل التكنولوجيا للتحقق من صحة الأخبار المتداولة على مواقع الإعلام الاجتماعي. ويوضح فيليب مكبارلين، مؤسس «سكوب أناليتكس» ومتخصص الوسائط المتعددة بها، أن شركته تؤدي عملها من خلال مرحلتين أساسيتين.

فيقول: «أولًا، نحاول التحقق من صحة هوية حساب المستخدم، من خلال العديد من المعايير مثل عدد المتابعين، وطول مدة التواجد في الإعلام الاجتماعي، وعدد التغريدات، وما إلى ذلك. ويتم القيام بهذا من أجل تحديد إن كان الحساب يرسل «رسائل عشوائية»، فهذا يساعد في استبعاد الكثير من «الضجيج الإلكتروني» غير المرغوب فيه، بما في ذلك المحتوى التسويقي والمحتوى غير اللائق».

من جهة أخرى، لا نريد الاستغناء كليًا عن عقولنا. ولعل المرحلة الثانية من عمل «سكوب أناليتكس» أكثر دقة. ودعونا لا ننسى أنه قد تم تطوير هذا المنتج في الأصل للصحفيين، ولذلك فإن المعلومات المضللة مقبولة بقدر معين.

يقول مكبارلين: «قبل بضع سنوات، تم اختراق حساب وكالة أنباء أسوشيتد برس ونشر القراصنة تغريدة تقول: «لقد انفجرت قنبلة في البيت الأبيض وأسفر الانفجار عن إصابة الرئيس أوباما!». وعلى الرغم من بيان ادعاء هذه التغريدة، إلا أنها أثرت تأثيرًا ضخمًا في الأسواق».

إن الدرس المستخلص من هذا الموقف جدير بالاهتمام، ولا سيما في ضوء مكانتنا العالمية والثقافة واللغات المتحدث بها هنا في الشرق الأوسط؛ يبدو أنه علينا السماح بقبول قدر معين من المعلومات المزيفة خلال مرشحاتنا للحصول على الصورة الكاملة، ولكن هل ستضيع حقيقة المعلومات المزيفة في خضم هذه العملية؟

يضيف مكبارلين: «على مدى السنوات القليلة القادمة، نتوقع إنشاء لوحة أخبار عاجلة لمختلف اللغات، على أن تكون الإسبانية والعربية محور تركيزنا الأول. إن تأثر السوق بفعل أخبار الأحداث في العالم العربي، مقترنًا بانتشار وسائل الإعلام الاجتماعي، يمثل سوقًا واعدة لشركة «سكوب» بشكل خاص.

وتشير تقديرات ويكيبيديا (حسب قيمة محتواها) إلى أن نسبة المحتوى العربي على شبكة الإنترنت اليوم أقل من 1%. إذا كان المستخدمون العرب يتلقون معلومات الإعلام الاجتماعي المترجمة من الإنكليزية أو غيرها من اللغات، حينئذ يتقلص الخيط الرفيع بين النكات السخيفة والاختراقات الخبيثة وبين المعلومات الحقيقية.

تجدر الإشارة إلى أن المتحدثين العرب في غنى عن الشعور بأنهم يتلقون خدمة سيئة هنا. بمعنى آخر، تشكل اللغة الإنجليزية أكثر من 50% من محتوى شبكة الإنترنت، وتليها في التصنيف الروسية، واليابانية، والألمانية، والفرنسية، والإسبانية ونصيب كل منها حوالي 5%. إلا أن خدمة «تويت ديك» من تويتر وغيرها توفر خيارات الترجمة الفورية، وهي يمكن أن يكون مصدرًا للمشاكل مع ذيوع انتشار أخبار الإعلام الاجتماعي.

فالترجمة الفورية كما نراها اليوم لا تضع في اعتبارها فهم السياق ولا تراعي الظروف التي تحاول شركات مثل «سكوب أناليتكس» مراعاتها في محتوانا الاجتماعي. فهذا هو الذكاء الاصطناعي AI الذي يتيح للبشر القدرة على تفسير عالمنا الجديد المتصل.

يقول أليكس معلوف، نائب رئيس الجمعية الدولية لاتصالات الأعمال في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا: «إن وسائل الإعلام الاجتماعي تعطي العرب وجهة نظر بديلة للأحداث. ففي جميع أنحاء المنطقة، الغالبية العظمى من وسائل الإعلام تملكها الحكومات.

وغالبًا ما تتبادل هذه الصحف والإذاعات رسالة موازية لا تختلف كثيرًا عن بعضها. لكن الحكومات اكتشفت بنفسها إبان الربيع العربي، أنها لا تستطيع السيطرة على المحتوى الذي تتم مشاركته على وسائل الإعلام الاجتماعي».

ويؤكد معلوف أن مواقع مثل تويتر وفيسبوك قد أصبحت محافل للنقاش لملايين العرب في مختلف أنحاء المنطقة. ويشير أيضاً إلى أن ما يُطلق عليه محتوى «الجانب المظلم من وسائل الإعلام الاجتماعي» (أي المحتوى الخاص الذي يتعذر متابعته) يضيف إلى القدرة على تبادل المعلومات بخصوصية وأمان، بعيدًا عن الرصد والمراقبة. ولكنه، في الواقع، ينطوي على مشاكل أكثر مما يُنتظر منه.

وصرح سايمون مورز بصفته مدير شركة أبحاث ومعلومات الذكاء الاصطناعي «زينتيليجانس»: «بناءً على تجربتي الخاصة من السفر وإلقاء المحاضرات في العالم العربي، يتنامى اليوم ظهور ما نسميه «ثقافة الألفية». ويصف مورز حضوره مؤتمرات لا حصر لها ورؤيته المهنيين الشباب من كلا الجنسين، وعيونهم لا تبارح شاشات هواتفهم الذكية.

ويؤكد مورز: «يستمر تأثير وسائل الإعلام الاجتماعي سواء في العلاقات الشخصية أو كمصدر للأخبار في النمو بين الشباب العرب، وأتوقع أنهم في المستقبل القريب جدًا سيحذون حذو الشباب الغربي في الاعتماد على وسائل الإعلام الاجتماعي كمصدر للأخبار والمعلومات، هذا إن لم يكونوا يعتمدون عليها فعليّاً».

تعتبر مسائل تلقي المعلومات والثقة والمعلومات المضللة ونشر المعلومات المحتمل ذات أهمية كبيرة في سياق الطريقة التي تستخدم بها الدول العربية الآن وسائل الإعلام الاجتماعي للتمكين الاجتماعي.

في بعض الدول، فإن التركيز منصب على اعتبار المواطنين أفرادًا يمكنهم الإسهام بشكل فعال في التنمية المجتمعية المستدامة بدلًا من النظر إليهم كمتلقين سلبيين للخدمات العامة. وبالتأكيد سيتم تنفيذ جزء من عملية التمكين والمشاركة هذه من خلال القنوات الاجتماعية، لذلك نحن بحاجة إلى معرفة مدى جدارتها بالثقة.

في المرة القادمة عندما تغرد أو تنشر صورة على منصة اجتماعية، فكر في كيف ستنتشر هذه المعلومات في الفضاء الإلكتروني، وفكر في مسؤوليتك الاجتماعية للحظة واحدة.

* متخصص في شؤون تطوير البرمجيات

 

 

Email