مخاطر النفايات الإلكترونية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

المستخدم التقليدي لن يتمكن من إيجاد بياناتك القديمة، لكن المتخصص في الاسترجاع الإلكتروني سيتمكن من ذلك.

يتصف مشترو أجهزة الكمبيوتر في الدول العربية بمجموعة من الصفات التي تلازمهم، ولعل من أبرزها أنهم يفضلون شراء أحدث الموديلات، وبالتأكيد فهم يعتبرون من أوائل الذين يشترون الإصدارات الحديثة، وكثيرًا ما يبحثون عن حزم البرمجيات المترجمة إلى العربية واللهجات المحلية، كما يرحب كثيرون منهم بإعادة تدوير أجهزتهم القديمة والتبرع بها متى أمكن ذلك.

وحيث إننا نحرص على تجنب تكوين ما يُطلق عليه «نفايات إلكترونية»؛ فإن كثيراً منا فكر في الانضمام للمبادرات المخصصة لإرسال أجهزة الكمبيوتر وغيرها من الأجهزة الإلكترونية إلى أفريقيا والأقاليم الأكثر فقرًا في الشرق الأوسط نفسه.

إن مجرد التخلّص من أجهزة الكمبيوتر المحمولة، والأجهزة اللوحية، والهواتف المحمولة، بإلقائها في سلال المهملات يُعتبر جريمة في نظر كثيرين. ويقدّر التقرير الصادر عن مبادرة الإلكترونيات المستدامة التي ترعاها جامعة إيلينوي في الولايات المتحدة، أن كل جهاز كمبيوتر شخصي أو هاتف محمول يحتوي عناصر تزيد على نصف عناصر الجدول الدوري.

ورغم أن مرافق إعادة تدوير الإلكترونيات الحديثة تسهم في استعادة كميات مدهشة من هذه المواد، كما يمكن إعادة توظيف كثير من الأجهزة لتتحول إلى آلات تؤدي وظائف مختلفة، فإن ثمة مسألة محيّرة هنا! إذ علينا أن نعرف إن كانت مساعي إعادة توظيف أجهزتنا القديمة والتبرع بها آمنة أم لا؛ كما ينبغي بنا تحديد ما إذا كان هناك خبراء متخصصون في الشرق الأوسط بوسعهم أداء هذه المهام.

تشير الأرقام المستخلصة من عام 2016 إلى أن حوالي 15-20% من النفايات الإلكترونية يُعاد تدويرها على مستوى العالم. لكن هذا الرقم في الشرق الأوسط لا يتجاوز 5%. وعليه، تتعرض المنطقة ككل لانتقادات بسبب غياب التشريعات أو القواعد الشاملة التي تنظم إدارة النفايات الإلكترونية، إلا أن هذه المسألة باتت قيد الدراسة والمعالجة بشكل تدريجي.

ومن الأمثلة على ذلك، أن الحكومات تعمل الآن على التعامل مع مشكلة النفايات الإلكترونية في الشرق الأوسط، لكنها تتجه إلى القطاع الخاص بشكل رئيسي لمساعدتها في تنفيذ هذه المهمة. ومن الشركات التي تتولى هذه المهمة، «ريسيكلوبيكيا» وهي شركة ناشئة لإعادة تدوير النفايات الإلكترونية مقرها مصر وتخدم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وفي الإطار ذاته، تفخر شركة «سيمز ريسايكلنج سوليوشنز» في دبي بقدرتها على توفير خدمات استعادة أصول تقنية المعلومات، وتجديدها، وإعادة استخدامها وتسويقها وتدويرها بشكل آمن في مختلف أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة وبقية دول مجلس التعاون الخليجي.

هل إعادة التدوير آمنة؟لا يزال هذا السؤال مطروحًا؛ هل هذه العملية آمنة وهل نطمئن للتبرع بأجهزتنا القديمة؟ ماذا عن الأجهزة التي استخدمناها من قبل في الوصول إلى بيانات حساسة مثل مصادر الخدمات المصرفية الإلكترونية؛ فالتنازل عن هذه البيانات دون ضمانات ليس آمنًا بكل تأكيد.

الحقيقة أنه لا يمكن حذف أي بيانات نهائيًا إلى أن تحل مكانها بيانات أخرى. حتى عملية محو أي بيانات تمامًا وإعادة تثبيت نسخة نظام تشغيل جديدة من نظم ويندوز أو أندرويد (أو أي نظام تشغيل آخر لأجهزة الكمبيوتر الشخصية أو الهواتف المحمولة) تخلّف عادة آلاف الملفات دون حذف.

إذاً، لا يمكن حذف البيانات! يمكن استبدالها فقط، وعندها ستتلف تمامًا بفعل وجود بيانات أخرى، لكننا سنضطر إلى تخزين ما يُعرف بالبيانات الوهمية على بياناتنا الشخصية القديمة.

ماذا عن استعادة إعدادات المصنع؟دون الخوض في غمار مصطلحات علمية معقدة، يمكن أن نشرح سبب وجود المشكلة نتيجة الطريقة التي تتواصل بها أجزاء أجهزة الكمبيوتر الداخلية مع بعضها. إذ تترك ملفاتك على الكمبيوتر «توقيعاتها» على ملفات النظام التي تنظم عمل الجهاز نفسه.

وهذا يعني أنك إن قمت بإعادة الضبط بحذف ملفات المستخدم وحاولت إرجاع جهازك إلى إعدادات المصنع، فإنه لا يزال بإمكانك الوصول إلى بياناتك رغم أنها لم تعد موجودة فيما نطلق عليه مناطق بيانات الجهاز النشطة.

وقبل أن تُصاب بالهلع وتبدأ في إحصاء عدد الأجهزة القديمة التي تخلّصت منها على مدار العشر سنوات الأخيرة، فإن المستخدم التقليدي لن يتمكن من إيجاد بياناتك القديمة، لكن المتخصص في الاسترجاع الإلكتروني سيتمكن من ذلك.

وتؤكد البحوث التي أجرتها شركة «كرول أونتراك» المتخصصة في استرجاع البيانات، أن الأجهزة المستعملة لا تزال تحمل 35% من صور المستخدم السابق ورسائل بريده الإلكتروني ومستنداته النصية. كما خلُصت الشركة في بحوث أجرتها مؤخرًا إلى أن محاولة حذف 75% من الأقراص الصلبة القديمة و57% من الهواتف المحمولة، أسفرت عن استمرار وجود بيانات عليها. وحيث إن النفايات الإلكترونية العربية هي الأعلى نسبيًا مقارنة ببقية أنحاء العالم، يمكننا بكل الثقة أن نقول إن أرقام منطقة الشرق الأوسط ستكون سيئة إن لم تكن الأسوأ.

وقد صرح روبن إنجلاند، كبير مهندسي البحوث والتطوير بشركة «كرول أونتراك»، أنه «عندما يتم حذف البيانات من جهاز ما أو الاستعانة بخاصية استعادة إعدادات المصنع أو ما شابه ذلك، يتم استبدال تلك البيانات المحذوفة بأخرى جديدة ولكن لا تحذف نهائيًا».

لما كانت النفايات الإلكترونية العربية تمثل مشكلة، فهل من سبيل لحلها؟ نعم يوجد! يمكنك استخدام مطرقة للتخلّص من جهازك، لكن ذلك لن يعود بالنفع على برنامج أفريقيا الذي يستفيد من هذه الأجهزة - أليس كذلك؟ حسنًا، أمامك خيارين متخصصين: إزالة المغنطة وحزمة برمجيات «برلنجو» Palringo.

أما إزالة المغنطة فهي عملية تقليل أو الحد من مجال مغناطيسي غير مرغوب فيه. حيث اعتاد المهندسون استخدام هذا الحل للحد من التشويش على أجهزة التلفزة، كما يستخدم ملاحو السفن هذا المصطلح للإشارة إلى تقليل المجالات المغناطيسية المحيطة بأجهزة الملاحة. ويمكن استخدام عملية إزالة المغنطة نفسها للتخلّص من البيانات المخزنة على الأقراص الصلبة أو محركات الأقراص المحمولة - رغم أن المطرقة ستكون كافية في حالة الأقراص المحمولة!

على الصعيد العملي، قد نستخدم إزالة المغنطة لإنهاء صلاحية قرص البيانات تمامًا في نهاية فترة استخدامه. ولأغراض إعادة التوظيف، لا بد أن يذكر متخصص النفايات الإلكترونية شيئًا عن حزمة برمجية تُعرف باسم «برلنجو». يعتبر هذا البرنامج الذي تستخدمه شركة «كرول أونتراك» لتدمير البيانات، الخيار المفضل لدى المؤسسات العسكرية، والشرطة، والمصارف، وكثير من شركات تقنية المعلومات.

ينمو سوق الإلكترونيات العربية سنويًا بالتوازي مع معدل النمو السنوي المركب لقطاع التجزئة وصعود طبقة وسطى ذات نطاق أوسع. وبالتالي تبقى مسألة النفايات الإلكترونية مشكلة فعلية، وبما أنه أصبحت لديك حقائق مثبتة الآن يمكنك إعادة توظيف الأجهزة القديمة وأنت على بينة ودراية بما تفعل.

* متخصص في شؤون تطوير البرمجيات

 

 

Email