تطبيق من غزة لمساعدة المكفوفين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

قد يكون تطبيق«سويفت برايل» جديداً من حيث التقنية التي يعتمدها إلا أنه يواجه بعض المنافسة من تطبيقات أجنبية وحتى من بعض المبادرات العربية.

39 مليوناً هو العدد التقريبي للمكفوفين في العالم، 12.6% منهم يعيشون في منطقة الشرق الأوسط. تدفعنا هذه الأرقام التي تشهد تزايداً مستمراً إلى التساؤل: كيف يستخدم هؤلاء الثورة الرقمية، وكيف يستفيدون من التكنولوجيا لحياة أفضل، لا سيما في ظل غياب أو ضعف البنية التحتية المناسبة لتمكينهم في منطقتنا؟

لا شك أن الكثير من الشركات العالمية قد استغلّت تطوّر التكنولوجيا لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، وتحديداً المكفوفين منهم، عبر تطوير العديد من التطبيقات، إلا أن الاهتمام العربي بتطوير تطبيقات مماثلة تدعم اللغة العربية ما زال يخطو أولى خطواته.

هذا الغياب استغّله المطوّر الفلسطيني محمد البنا ليُطلق من قطاع غزة «سويفت برايل» SwiftBraille، تطبيق للهواتف الذكية يُساعد المكفوفين ومن يعانون من ضعف البصر على التواصل مع الآخرين من خلال الكتابة.

كيف بدأت قصة اهتمام البنا بتطوير هذا النوع من التطبيقات؟ يقول محمد البنا إن «أغلب لوحات مفاتيح برايل الحالية على نظام تشغيل أندرويد لا تدعم اللغة العربية» إضافة إلى وجود مشكلة تقنية مع نظام قارئ الشاشة الخاص بالمكفوفين لا تتناسب مع طباعة برايل.

من هنا ولدت فكرة لوحة مفاتيح «سويفت برايل» التي تدعم العربية بصورتها الكاملة (إضافة إلى الفرنسية، والإنجليزية، والإسبانية)، وتسمح بالطباعة عبر برايل بيد واحدة وإصبع واحد على الأقل، ولا تتطلب إغلاق قارئ الشاشة، كما أنها سهلة التفعيل، ويمكن تخصيصها بحسب حاجة الكفيف أو ضعيف البصر.

لا بد من الإشارة أولاً إلى أن التطبيق يتمثل في لوحة مفاتيح تعمل على الأجهزة الذكية العاملة بنظام تشغيل أندرويد؛ يمكن تحميله من متجر «غوغل بلاي ستور» ليُدمج كلوحة مفاتيح فور تحميله على النظام.

وقبل التعرف على تفاصيل عمل «سويفت برايل»، لا بد أن نفهم طريقة عمل لغة برايل العالمية. وهنا يشرح لنا البنا «لغة أو طريقة برايل تقوم على ست نقاط بارزة، كل نقطة لها رقمها الخاص، وتشكيلة النقاط المختارة تمثّل لنا حرفاً، أو رقماً، أو رمزاً ما، متعارف عليه عالمياً أو بحسب الدولة. خلية برايل هي أفضل تمثيل لهذه النقاط الست، حيث تتمثّل بالثلاث نقاط الأولى على اليسار والثلاث نقاط الأخرى على اليمين بشكل رأسي».

ويتابع البنا: هذا التمثيل هو ذاته سيظهر للمستخدم افتراضياً فور تفعيل لوحة مفاتيح سويفت برايل. وهذا ليس جديداً. الجديد في مشروع «سويفت برايل» هو الآلية المتبعّة في توصيل النقاط المطلوبة معاً بيد واحدة وإصبع واحد على الأقل«. فبالفعل، مع»سويفت برايل«لا حاجة لتعطيل قارئ الشاشة أو استعمال أكثر من إصبع المستخدم لطباعة حرف أو جملة.

قد يبدو الأمر معقداً ولكن باختصار، تقدم لوحة مفاتيح»سويفت برايل«نظاماً بستة أزرار (رقماً أو رمزاً أو حرفاً) على الشاشة يستطيع المستخدم المكفوف التنقل فيما بينها، في حين يرشده صوت موسيقى أو أي صوت يختاره لاستخدام مثالي للتطبيق بإصبع واحد وبسرعة أكبر.

احتاج التطبيق إلى عدد من النسخ التجريبية لتصدر النسخة الرسمية منه في شهر أبريل 2016. وهذا التطبيق الذي يدعم اللغة العربية واللغات الثلاث الأخرى، لم يلقَ صدىً فقط من العرب الذين يشكلون 40% من المستخدمين، بل حظي باهتمام أكبر من الأجانب على حد قول البنا، الذي اعتبر أنهم أعجبوا بالفكرة المبتكرة؛ التي اعتمدت كثيراً في تطويرها على المستخدمين المكفوفين الذين شاركوا في النسخ التجريبية وأرسلوا آراءهم واقتراحاتهم.

قد يكون تطبيق»سويفت برايل«جديداً من حيث التقنية التي يعتمدها إلا أنه يواجه بعض المنافسة من تطبيقات أجنبية وحتى من بعض المبادرات العربية. يقول البنا: يوجد العديد من الأفكار لكن لم يتم إطلاقها فيما بعد بشكل رسمي على المتاجر أو حتى إنشاء مواقع إلكترونية لها بالرغم من مرور سنين على ذلك. مشاريع تخرج هنا وهناك، وأوراق بحثية نشرت، ويوجد مشروع اسمه»أمل«أو Hope للصم من تطوير شركة ناشئة هنا في غزة وتطبيق الترجمان.

الكثير من هذه المشاريع تتوقف في منتصف المشوار أو حتى أن هذا النوع من التطبيقات الموجه إلى ذوي الاحتياجات الخاصة لا يجد صدىً لدى رواد الأعمال العرب. ما السبب؟

هنا يجيب البنا قائلاً: من واقع تجربتي في هذا المجال، أعتقد أن رائد الأعمال بشكل عام يركز على المشاريع التي تستهدف فئة وسوقاً كبيرة، وسرعة انتشار وربح بالمستقبل القريب. مبدأ الشركات الناشئة أصلاً قائم على عدم الاستقرار في نماذج الربح. ذوي الاحتياجات الخاصة فئة نستطيع القول أنها محدودة، والوصول إليها صعب، ولا يمكن أن يتم بالوسائل التقليدية في التسويق!

لهذه الأسباب يعزف العديد من روّاد الأعمال العرب عن هذه الفكرة، ويركزون على المشاريع الربحية مثل الشبكات والمنصات الاجتماعية، والمتاجر الإلكترونية وبيع المنتجات، ومنصات تقديم الخدمات التي تربط بين المستخدم والمحترف في تقديم الخدمة لتقتطع هذه المنصة في النهاية عمولة من ذلك.

وإضافة إلى هذه العوامل، يحمل هذا النوع من التطبيقات العديد من التحديات الخاصة بها. وهنا يشرح لنا البنا أن الأجهزة العاملة بنظام تشغيل أندرويد، لا تتيح للمطورين التحكم ببعض المزايا الخاصة بخدمات إمكانية الوصول وغيرها التي يستخدمها ذوي الاحتياجات الخاصة. على صعيد آخر، يضيف البنا:

الاستثمار في هذا النوع من المشاريع ضئيل، وإن وجد، فالعائد من الاستثمار قليل، لذلك يجب القيام بعدة مشاريع أخرى جانبية. مضيفاً أن الفئات المستهدفة وصعوبة الوصول إليها قد لا تشجع أيضاً، لا سيما أنّ ذوي الاحتياجات الخاصة عبارة عن شرائح عدة، ولا يمكن القيام بمشروع واحد يدعم كل ذوي الاحتياجات الخاصة.

استناداً إلى هذه التحديات والصعوبات التي يواجهها المطوّرون لتصميم تطبيقات لذوي الاحتياجات الخاصة، يعدد لنا البنّا ثلاثة متطلبات أساسية للنجاح.

أولاً، يجب أن تتوافق التطبيقات الموجهة لذوي الاحتياجات الخاصة مع تطبيقات جانبية رئيسية أخرى مثل تطبيقات إمكانيات الوصول! فعلى سبيل المثال، يشرح لنا البنا:»

سويفت برايل«هو تطبيق يجب أن يعمل مع قارئات الشاشة (الميزة التي يعتمد عليها المكفوفون بشكل رئيسي) بشكل جيّد، وكونه لوحة مفاتيح، هذا يعني أن كل التطبيقات الأخرى التي تحتوي على حقول نصية يجب أن تتوافق معها لوحة مفاتيح سويفت برايل… حصلت بعض الإشكاليات مع تطبيقات مثل»واتساب«و»تويتر«واضطررت للتواصل مع قسم المطورين.

أما المتطلب الثاني، فيتابع البنا:»كون متجر غوغل بلاي غير متوفر للجميع في الدول العربية، يجب أن نوسّع قنوات التوزيع وتوفير التطبيق على منصات أخرى مثل «ويندوز فون» أو «آي أو أس» أو حتى طرحه بشكل مباشر للتحميل بدون الاعتماد على المتاجر الرسمية.

وثالثاً، يشدد البنا على أهمية الربحية من هذه المشاريع لضمان استمراريتها. وهنا يقول: يعتمد الكثير من المستخدمين العرب على التطبيقات المقرصنة، وهذا شيء لا يشجع بالمطلق على القيام بتطوير تطبيقات مدفوعة، وعزوف الكثير من المطورين العرب عن ذلك بعد طرح مشاريعهم.

لذلك يتمثل حل هذه المشكلة في تنوع مصادر الدخل من المشاريع، ووجود مزايا مجانية وأخرى مدفوعة، فالاعتماد على الإعلانات فقط ليس حلاً، والاعتماد على التطبيقات المدفوعة فقط ليس حلاً أيضاً، فيجب التنوع في قنوات أو نماذج الربح.

بانتظار أن تشهد المنطقة العربية المزيد من المواقع الإلكترونية والتطبيقات التي تستهدف بشكل خاص ذوي الاحتياجات الخاصة، يواصل تطبيق «سويفت برايل» رحلته في التقييم والاختبار من أجل إصدار جديد أو مُحدّث لدعم عدد من المزايا المهمة التي يطلبها الكفيف، والتي يجب أن تتوافر عليها لوحة مفاتيح «سويفت برايل».

* متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية

 

 

Email