مقاومة اقتصادية في فلسطين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

فكرة قطار الطعام بحد ذاتها نابعة من كوننا أسرى نرفض أن نكون بين جدران ونعاني من مشكلة معها، لذلك أردنا أن يكون المطعم متنقلاً في بلادنا.

في بلد تصل فيه نسبة البطالة إلى معدلات قياسية، يجد الشباب أنفسهم يعملون في مجالات مختلفة عن مؤهلاتهم أو جالسين بانتظار أن يأتي «الفرج» كما يقولون، إلا أن شباباً آخرين رفضوا هذا الواقع المرير، وأرادوا أن يتحوّلوا إلى رواد أعمال مطلقين مشاريعهم الخاصة علها تكون أداة في وجه البطالة والحصار في فلسطين؛ على غرار شباب اعتمدوا فكرة المطاعم المتنقلة، سواء في غزة أم في رام الله.

الفكرة جديدة في فلسطين إلا أنها وجدت منذ الخمسينيات في الولايات المتحدة، كما أنها شهدت رواجاً كبيراً في السنوات الأخيرة في المنطقة العربية مفهوماً جديداً للمطاعم، بحيث إنها غالباً ما تقدم وجبات طعام لذيذة بأسعار مقبولة.

«قرموشتي» في قطاع غزة و«قطار الطعام» في رام الله، مشروعان قد يختلفان بأنواع الطعام المقدم وبالموقع الجغرافي إلا أنهما وجهان لعملة واحدة يهدفان إلى إعالة عائلات المؤسسين وموظفيهم، فهم الذين لم يجدوا عملاً في مجال تخصصهم.

فلا بد من الإشارة إلى أن أرقام البطالة، التي نشرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ضمن مسح حول سوق العمل لعام 2015 كانت صادمة، فأشار المسح إلى أن 30% من المجتمع الفلسطيني هم من الشباب وقد بلغ معدل البطالة بينهم 32،3% (22،5% في الضفة الغربية و50،6% في قطاع غزة).

الحاجة أم الاختراع

انطلق مشروع «قرموشتي» في أبريل من العام الماضي إثر مواجهة الشقيقين معاذ ومحمود الحسنات صعوبات جمّة في إيجاد عمل ثابت، فبعد سنوات من التنقل من وظيفة إلى أخرى، وبعد تشاور وتشجيع من الأهل، قرر محمود وهو خريج كلية الإعلام ومتزوج وأخوه معاذ الحاصل على شهادة برمجيات والأعزب أن يُطلقا فكرة جديدة من نوعها في القطاع، حيث يقول محمود الحسنات «أردنا فكرة جديدة في البلد ليست موجودة».

ويتابع «قد تكون الفكرة بسيطة إلا أن مضمونها لم يكن سهلاً، فنظراً إلى أن المشروع جديد، لم يكن سهلاً الحصول على التجهيزات والأدوات وتجهيز المطبخ في عربة». وقد اختار الشقيقان أن يحوّلا عربة التكتك إلى مطعم متنقل، وأن يقدّما نوعاً واحداً من الطعام ألا وهو الدجاج المقرمش، فيخبرنا محمود «أحضرنا خلطة سرية خاصة فينا ومن هنا أتى اسم المطعم قرموشتي».

أما «قطار الطعام» في الضفة الغربية، فكان وليد الأسر في السجون الإسرائيلية، فيخبرنا خلدون البرغوثي الذي أمضى 8 سنوات في السجن على فترتين والحاصل على بكالوريوس تاريخ أن «فكرة «قطار الطعام» وليدة الأسر بالذات.

أنا وشريكي عبد الرحمن البيبي أمضينا الفترة الأخيرة من الأسر بالتفكير بما سنقوم به عند خروجنا لا سيما أنه من الصعب أن نجد عملاً». ويتابع «أردنا استثمار خبرتنا بموضوع الأكل والطعام التي اكتسبناها في السجن، والاستفادة من الشباب الذين كانوا معنا بحيث إنهم يأتون من مناطق مختلفة، حيث تتميز كل منها بأطباق خاصة، إضافة إلى الاستفادة من خبراتهم في مختلف المجالات، أكان في التسويق أو الكهرباء أو الأعمال. وبالتالي، كونّا فكرة عمّا نريد القيام به».

ويواصل البرغوثي حديثه قائلاً: «فكرة القطار بحد ذاتها نابعة من كوننا أسرى نرفض أن نكون بين جدران ونعاني من مشكلة معها. لذلك، أردنا أن يكون المطعم متنقلاً في بلادنا. وإضافة إلى ذلك، اخترنا ألواناً زاهية للقطار لأن السجون كانت تفرض علينا اللون البني القاتم. ونحن أردنا ألواناً زاهية وهي ألوان الحياة».

مشروع «قطار الطعام» الذي بدأ قبل أشهر بالتنقل في القطاع احتاج إلى بعض الوقت لتجهيزه إلا أن الأمر كان ممكناً بفضل مساعدة كثيرين. ويقدم مزيجاً من الأطباق من الشمال والجنوب والوسط، إضافة إلى الوجبات الخفيفة والدجاج المسحّب والهمبرجر.

ولعلّ ما يميّزه أيضاً هو أنه مشروع صديق للبيئة يعمل على نظام توليد التيار الكهربائي عبر الخلايا الشمسية، التي ثُبّتت على سطح الباص.

ترحيب من الفلسطينيين

على الرغم من أن الفكرة كانت جديدة في فلسطين إلا أنها لاقت ترحيباً من الفلسطينيين. ويخبرنا الحسنات «لم نكن نعرف كيف سيتجاوب الناس معنا لا سيما أنهم تعوّدوا أن يذهبوا إلى المطعم ونحن أردنا أن نقلُب المقاييس وأن ننقل المطعم عندهم»،

إلا أن «قرموشتي» عوّلت على نجاح المطاعم المتنقلة في الخارج حيث يقول الحسنات «كنّا شاهدنا تقرير حول نجاح هذه المبادرات في أوروبا والولايات المتحدة، واعتبرنا أن الفكرة لا بد أن تنجح هنا». ويشرح أنهم أنشأوا صفحة على فيسبوك من أجل جذب الزبائن وإخبارهم بمكان وجودهم و«تهيئة الرأي العام حول فكرة المطعم المتنقل».

ويضيف «أعجب الناس فعلاً بالفكرة وأقبلوا على مطعمنا لا سيما أننا نتنقّل في مختلف الأحياء، وأن أطباقنا تتناسب مع الطلب وفي متناولهم، فنحن نقدم طبقاً واحداً، الدجاج المقرمش مع البطاطا بسعر أقل من النصف من المطاعم الأخرى.

النصيحة بجمل

هذا النجاح قد يُلهم شباباً فلسطينيين آخرين على إطلاق مشاريعهم الخاصة. وهنا يقول الحسنات «كل الشباب يعانون من الوضع الذي عانيت منه. تخيلوا أنني حصلت على شهادة صحافة ولكن لم تستقبلني أي مؤسسة.

ولذلك، كان من الضروري أن أجد حلاً آخر لأنني أريد أن أقول للعالم إنني لن أسكت ولن أبقى مكتوف اليدين، بل أقول لهم إنني قادر على إيجاد فكرة والاهتمام بنفسي». وأشار إلى أن الكثير من الشباب من الخريجين الطموحين العاطلين عن العمل تواصلوا معه لأن فكرته أعجبتهم وأرادوا إطلاق مشاريعهم الخاصة.

أما البرغوثي فيقول إن «قطار الطعام هو حل من الحلول وليس الوحيد أمام الضيقة الاقتصادية. نحن كوننا فلسطينيين نمتلك الإرادة والإمكانات. وعلى الرغم من كل التضييق إلا أن إرادة الحياة أقوى».

* متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية

 

 

Email