لنكتب معاً سيناريوهات المستقبل

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

هذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها العالم ثورة جيل على مفاهيم كثيرة، فالستينيات حملت انقلاباً مشابهاً على المجتمع، قاده شباب عاش طفولته خلال الحرب العالمية الثانية.

التنبؤ بالمستقبل ليس حكراً على المنجّمين الذين برأي الكثيرين كذبوا ولو صدقوا. فغداً ليس بعيداً لدرجةٍ تجعل رؤيته مستحيلة. كل ما تحتاج إليه هو الكثير من التحليل والكثير من الخيال.

تبدأ بالحاضر وتدرسه جيداً، تحلل معطياته بعمق، ثم تستخدم خيالك لتتصور سيناريوهات مختلفة تنتج عن هذه المعطيات. معادلة تبدو للقارئ في غاية البساطة حينما يشرحها خبير علم المستقبل ونائب الرئيس الأول للتخطيط الاستراتيجي في شركة سيلزفورس، بيتر شوارتز، لكن لتنجح فيها عليك أن تتعمق في دراسة الحاضر بابتكاراته وتوجهاته بواقعية، ومن ثم تسمح لخيالك أن يبتعد عن حدود المألوف في تصور مستقبل ما درسته.

يصف شوارتز المستقبل وكأنه يتحدث عن الحاضر: بوضوحٍ وثقةٍ وديناميكية آسرة، وقد عمل مستشاراً لحكومات وشركات عالمية، ساعدها على تصور السيناريوهات المختلفة التي ستواجهها في المستقبل، وفي رسم استراتيجيات لها.

فما هي بعض معطيات الحاضر التي يجب على الحكومات والمؤسسات دراستها جيداً، والتي ستساهم في رسم سيناريوهات المستقبل؟

الهوة بين الأجيال وثورة الشباب

هاتفك الذكي هو المحرك الأول لهذه الثورة، وهو الذي سيأخذها إلى حيث لا تتوقع. هذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها العالم ثورة جيل على مفاهيم كثيرة، فالستينيات حملت انقلاباً مشابهاً على المجتمع، قاده شباب عاش طفولته خلال الحرب العالمية الثانية. يقول شوارتز: «أنا من شباب ستينيات القرن الماضي، كنت من «الهيبيز»، كان شعري طويلاً، ولحيتي طويلة... كان لدينا ثورة شبابية في الستينيات. ولدينا اليوم ثورة أخرى من جديد».

تواصل الشباب واتصالهم ببعضهم كل الوقت وفي أي وقت هو تغيير سيؤثر بشكل كبير على السياسة والمجتمع. يقول شوارتز: «لديك جيل قادر على التواصل والتجمهر والحصول على المعلومات التي يريدها بصورة غير مسبوقة، واتصاله هذا لا عودة عنه، فليس بإمكانك فصل الناس عن بعضهم وعن المعلومة بعد اليوم».

ويضيف شوارتز أن: «قدرتهم (الشباب) على الحشد تجلت في حملات دعم بيرني ساندرز المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية، وقد حصل ذلك سابقاً في هونغ كونغ عبر تويتر حينما تجمهروا ضد الحكومة الصينية، وفي ميدان التحرير في مصر وفي أوكرانيا». ففي عصر الشفافية المطلقة والتواصل المستمر، سيصبح من الضروري أن تُعيد الحكومات النظر في سياساتها.

وداعاً للسيارات

يقول شوارتز: «أعتقد أنّ السيارات التي نراها اليوم، ستختفي! فنحن نرى تراجعاً كبيراً في مدى اهتمام الشباب بالسيارات، وليس لديهم مانع أن يتنقلوا مستخدمين وسيلة أخرى لا يقودونها بأنفسهم بالطريقة التي نقود بها». يتصور شوارتز أن المستقبل سيشهد وسيلة تنقل يومية جديدة نمتطيها كالحصان، ولا تشبه قيادة السيارة. وبالطبع هذا سيؤثر على قطاعات وصناعات كثيرة، وعليك أن تستخدم خيالك وتتحداه لتتصور شكل المدن بدون سيارات خاصة.

لا يختلف مهندسو المواصلات اليوم على أن مستقبل التنقل سيشهد تغييراً كبيراً، لعل أحدث معالم هذا التغيير هو «الهايبر لوب»، أو كبسولة النقل التي تسير في مسارٍ يشبه الأنابيب الضخمة وتندفع بسرعة عالية وتمكّنك من التنقل بين القارات في زمن غير مسبوق، قد يساوي سرعة وسائل الاتصال. فلك أن تتخيل مثلاً سماءً ملبدة بالأنابيب، تقطعها كبسولات تشق السماء كالنيازك الطائرة.

دعك من الأبقار، سنصنع نحن اللحم

بدأ الإنسان بتصنيع بعض الطعام في المختبر، ولم يعد الأمر خيالاً. يقول شوارتز: «هناك شركات تقوم بتصنيع المايونيز من جزيئات صغيرة تستبدل البيض». وكذلك اللحم! ففي العام 2013، تذوق الإنسان أول «هامبرغر» صُنع اللحم فيه من خلايا جذعية في مختبر في بريطانيا.

سيحتاج إنتاج هذه اللحوم بشكل تجاري وسعر مقبول سنوات عديدة، لكن المستقبل يسير في هذا الاتجاه. وذلك يعني أنه سيتراجع عدد مزارع الأبقار التي تستهلك الكثير من المساحات الخضراء، والماء والطاقة وتسبب في إنتاج الكثير من ثاني أكسيد الكربون. لكنها قد تعني أيضاً انقراض بعض المهن وتأثر قطاعات عديدة.

أعمار تتجاوز المائة

يتجه العلم اليوم نحو تصنيع عقاقير بسيطة تؤخر الشيخوخة، لتعطي عُمر الإنسان عشر سنواتٍ إضافية على الأقل. لا نتحدث هنا عن عقاقير خيالية، إنها أدوية يتم تطويرها. يقول شوارتز إن الشاب في العشرين من العمر سيجد هذه العقاقير جاهزة عند بلوغه الأربعين، وبما أن معظم الناس يعيش اليوم حتى سن الثمانين، فإنه سيعيش حتى التسعين.

وحينما يبلغ الخمسين سيكتشف الطب أدوية وعلاجات تجعل عمره أطول، فيضيف له سنوات إضافية أخرى، ويصبح من الطبيعي أن يصل إلى المئة ما لم يتعرض لحادث أو مرض عضال. وفي الستين من العمر، سيتطور الطب أيضاً ليعطيه سنوات إضافية. «أطفال اليوم لديهم فرصة العيش لقرون»، يقول شوارتز. وطبعاً سيؤثر ذلك على قطاعات عديدة كالطب، والعقارات وتعداد السكان أيضاً.

تخيّل المستقبل ورسم تصورات عديدة هما مجرد البداية. فالخطوة الأهم هي اتخاذ القرارات السديدة بناءً على ما تم تصوره، والتحلي بالشجاعة لتنفيذ هذه القرارات التي قد تصدم البعض لجرأتها أو بُعدها عن فلك خيالهم وأفكارهم. ويقول شوارتز: «الامتحان الحقيقي هو في اتخاذ القرارات الصحيحة في الحاضر من أجل المستقبل. هذا هو مؤشر نجاحك».

* متخصصة في شؤون التجارة والابتكار في الشرق الأوسط

Email